فرات الشامي |
حتماً أراد بشار الأسد أن يبعث برسائل خشنة وناعمة للداخل السوري الذي يسيطر عليه “ظاهرياً”، من خلال استقباله يوم الثلاثاء 13 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، عدداً من أبناء ريف السويداء الشرقي مع ذويهم، الذين تم تحريرهم من تنظيم “داعش”.
ولعل الرسائل التي أكّد عليها بشار الأسد جاءت في حديثه أمام المخطوفين تجلت في قوله: “إنّ الوطنية لا تكون بالكلام فقط بل عبر العمل، وأسمى درجات الوطنية هي الدفاع عن الوطن، وكل من تقاعس عن هذا الواجب يتحمل مسؤولية الضحايا الذين سقطوا خلال هذه الحرب الإرهابية على سورية التي كان أحد فصولها المؤلمة هجوم تنظيم “داعش” الإرهابي على قرى الريف الشرقي في السويداء.”
وبمعنىً أوضح، الأسد قرر توبيخ أهالي السويداء لفرار شبابهم من خدمة العلم، واعتبارهم المسبب في مشكلة الاختطاف التي ارتكبت على أيدي “داعش” ومن داخل قصره دون تلميحٍ أو تورية، وعلى أعلى المستويات. وبالتالي؛ التأكيد أنه صاحب القبضة الحديدية، الذي يمارس دور الراعي بحزمه وليونته.
وفي ضوء مجريات اللقاء الذي جمع بشار الأسد بـ “المحررين من أبناء السويداء”، تجلت مرةً أخرى المنهجية القديمة التي حاول حافظ الأسد تكريسها في المجتمع السوري من خلال فرضه آلية “إذلال المواطنين”، و”قبولهم بها” وتعبيرهم عن هذا القبول بإطلاق “الهتافات الممجدة لجلادهم”، وافتداء شخصه بأرواحهم. ويمكن القول: إنّ عقلية النظام السوري قبل وبعد الثورة حافظت على مواقفها وسياساتها تجاه الشارع، وهي نتاج نظرة فوقية عنجهية، زاد في تضخمها استسلام “نظام الأسد” لفكرة انتصاره الوهمية على معارضيه؛ ما يعني مستقبلاً ظهور شرخ أعمق بين “دولة اﻷسد” و”الشعب السوري”.
بالتالي؛ يحاول نظام الأسد خلق حالة مقارنة بين منهجين؛ فالشارع الموالي إما أمام القبول بالنظام بعقليته الأمنية، وإما في مواجهةٍ مع التنظيم “داعش” بعقليته التكفيرية، ما يضع الجميع بين كماشتي “النظام والتنظيم”، وبين الاختيارات المحدودة، على مبدأ البيت الشعري الذي خطه “أبو فراس الحمداني”، أمرانِ أحلاهما مرُّ.
وبعيداً عن كيل الاتهامات للنظام السوري تلك، نسأل عن الدور الذي أدته المعارضة السياسية في تلك المِحنة التي حلّت بأحد مكوّنات النسيج السوري، لمحاولة كسبها وإقناعها بأهمية التحرك السريع والانضمام إلى قافلة الثورة، إلا أنها بعيدة كلياً عن الشارع، وأخذت دور المتفرج الذي يرفع كف الضراعة للسماء، عسى أن توقظ إرادة الله أفئدة الموالين من الطوائف الأخرى، فاختاروا التواكل سبيلاً، وفشلوا في أخطر الامتحانات السياسية الشعبية، وخرجوا بخفي حُنين، مؤكدين أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم وأطماعهم.
وعلى عكس تلك الحالة، كان الشارع في الشمال المحرر أبدا تعاطفاً شعبياً كان من المفترض استثماره بشكلٍ أقوى، وتجييره لصالح أهداف الثورة، من باب الكلام عن حالة الوحدة الوطنية التي يطمح إليها. وتلك حالةٌ لا تفيها السطور حقها.
إنّ جملة ما حدث ويحدث في المشهد السوري، يؤكد انتصار الأسد نتيجة غياب الرؤية لدى معارضيه، وعدم المقدرة على الاستفادة من مجريات الأرض التي تديرها العقلية الأمنية للنظام، ولعل مسرحية “قصر اﻷسد ومختطفو السويداء” أكدت أنّ محاولة الخروج من بيت الطاعة تعني إعادة سيناريو ثمانينات القرن الماضي، أو ما يعرف شعبياً بأحداث مجزرة حماة… لكن؛ المتتبع لعقلية أبناء جبل العرب “الدروز” يعرف تماماً أنّ الجريمة التي ارتكبت بحق أبناء الجبل، لحظة تقبيلهم يدي “بشار الأسد” لن تمرّ دون تبعات مستقبلية، والأيام حبلى بالمفاجآت.