غسان الجمعة |
في خضم العاصفة السياسية التي تمرُّ بها السعودية إثر تبعات تورطها بقتل الصحفي جمال خاشقجي وتداعيات حربها في اليمن، تناقلت وسائل إعلام تركية وعربية خبر وصول قوات سعودية وإماراتية إلى مناطق (قسد) بالقرب من الحدود التركية.
الخطوة الخليجية جاءت لتؤكد تسريبات (وول ستريت جورنال) التي نشرتها منذ عدة شهور بتماهي مع إستراتيجية ترامب في التعامل مع الملف السوري المكلف مالياً وسياسياً من خلال توظيف دول إقليمية لرعاية المصالح الأمريكية وعلى نفقتها.
فالإدارة الأمريكية تسعى لترميم علاقتها مع أنقرة، وفي الوقت نفسه تريد المضي بسياستها المتعارضة معها في شرق الفرات وإعادتها بهدوء إلى الفلك الأطلسي، وهو ما دفع واشنطن لامتطاء التخبط السعودي وتطويعه لخدمة أجندتها على أن تكون يدها نظيفة أمام تركيا حليفها الإستراتيجي في الناتو.
الانخراط الإماراتي والسعودي في هذا الوقت لا يمكن قراءته إلا من باب الابتزاز السياسي لتركيا التي باتت قريبة من فتح جبهات شرق الفرات بالتنسيق مع قوات المعارضة على خلفية تمسكها بإظهار خيوط الحقيقة حول مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
فشماعة داعش باتت في رمقها الأخير، كما أن المنافس الإيراني ابتلع معظم مناطق المعارضة وتمكن من فرض نفسه على الساحة السورية، وهو ما قبلت به السعودية على لسان ولي عهدها عندما صرح بأن إسقاط الأسد لم يعد أولوية بالنسبة إلى بلاده، فلماذا ترمي السعودية بثقلها الآن شرق الفرات؟
المأزق الدبلوماسي الذي تريد الولايات المتحدة وضع حكومة العدالة والتنمية فيه له أبعاده التاريخية والثقافية، فالمواجهة التي من الممكن أن تقع في حال مضت تركيا بخطتها العسكرية بين قوات تركية وعربية ستكون الأولى منذ انهيار الدولة العثمانية، وهو ما تسعى له الولايات المتحدة لحرمان تركيا من ثمار غرس سياساتها في المنطقة العربية على أرضية الانتماء الحضاري والعمق الإستراتيجي مع دول هذه المنطقة.
لا يمكن التنبؤ بمدى جدية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في هذه المقامرة التي يستهدف بها تركيا الضامن الرئيس لميزان الصراع العربي الإيراني ذي الأبعاد المذهبية، لكنه الآن بات يرمي بكل أوراقه على الساحة الإقليمية والدولية لطمس قضية خاشقجي التي قد تكلفه إزاحته عن العرش خلفاً لأبيه، وهو ما تدركه أنقرة وتعلم أي فخ نصبت لها الولايات المتحدة بعد أن أثبتت تركيا استقلالية قرارها بعيداً عن الإملاءات الأمريكية.
إن فرص تطور المخطط يرتبط بتغيرات المشهد ومواقف اللاعبين الآخرين في الملف السوري، فالاستثمار فيه له ثمنه السياسي والاقتصادي، ولاتزال نواة هذه القوة ضعيفة نسبياً طالما أن الجيش المصري لا يزال خارجها، ومن الممكن أن يتغير بأي تسوية قد تنجز لاحقاً، وخصوصاً بعد تصريحات للخارجية التركية عن إمكانية لقاء الرئيس أردوغان بولي العهد على هامش قمة العشرين المزمع عقدها في الأرجنتين في 30 من الشهر الجاري.
الخطوة التالية الآن في أروقة الدبلوماسية التركية، إذ عليها أن تجد لنفسها مخرجاً يجنبها لورنس جديد يقوده الكابوي الأمريكي ويسعى لأن يفسد عليها قطار عودتها للمنطقة.