زيدون الجندي |
مرَّت قصة كريم أحد أطفال الغوطة الشرقية الذين كانوا ضحية قصف الطائرات الروسية، والذي تعرض لإصابة في وجهه جراء قصف الطيران الحربي لمدينته، ففقد عينه وجزءًا من وجهه، لكن الفرق بينه وبين آلاف اﻷطفال الذين تعرضوا لما تعرض له، أن الحظ كان حليفه، فانتشرت صورته على صفحات التواصل الاجتماعي، وحظي بتعاطف واسع من روادها على مستوى سورية، بل وتجاوزتها إلى مناطق عديدة في العالم، فبدأ مستخدمو فيسبوك وتويتر بالتقاط صور السيلفي وهم يغطون نصف وجوههم بأكفهم تضامناً مع كريم..
كريم ذو الشهور التسعة لم يعلم أن عدداً كبيراً من الناس، من ضمنهم مشاهير، تضامنوا معه، فهو صغير على إدراك ذلك، وعندما يكبر سيكون الناس قد نسوه تماماً، بل إنهم نسوا قصته بعد بضعة أيام من إصابته.
بعضهم نسيه ﻷنه باﻷساس لم تعنِ مأساة كريم شيئًا له، ولم يقم بما قام به إلا تماشياً مع الدارج وسعياً لحصاد الإعجابات لصفحته الفيسبوكية.
وبعضهم نسي قصته ﻷن المصائب تمحوها المصائب اﻷكبر، وفي سورية في كل لحظة تحدث مصيبة أكبر من سابقاتها.
هل كان كريم محظوظاً لبقائه حياً؟! قد يبدو السؤال لا إنسانيًا، فالجواب البدهي “نعم لقد كان كريم محظوظاً”
لكن ثمة جواب آخر غير إنساني بالمطلق وهو: “كان من اﻷفضل لكريم أن يموت كما مات عشرات الآلاف من اﻷطفال السوريين غيره”!
وقد يدفعنا التطرف الواقعي لطرح سؤال أقسى من السؤال السابق: “هل كان من اﻷفضل للعالم كله لو أن كريماً قد مات؟! “
ويكون الجواب مرة أخرى لا إنساني لكنه واقعي: “نعم كان أفضل للعالم لو أن كريماً مات” وهنا لا بد من الشرح قليلاً لتبرير لا إنسانية السؤال وإثبات واقعيته فالحقائق المرة التي سيكتشفها كريم بعينه الواحدة عندما يكبر هي أقسى وأمر بأشواط من الموت بحد ذاته.
الحقيقة اﻷولى؛ أن العالم كان يراقب مأساته واكتفى بالتعاطف معه، والحقيقة الثانية أن العالم كان بإمكانه أن يمنع الكارثة التي حلت به وببلده لكنه لم يفعل، والحقيقة الثالثة، وهي اﻷقسى، أن العالم لم يكتفِ بالفرجة على مأساته بل ساهم باستمرارها، هذا إذا أحسنَّا الظن بالعالم ولم نقل إنه ساهم بوقوعها، وهذا ما يبرر قولي إنه كان من اﻷفضل للعالم لو أن كريمًا قد مات؛ لأن كريم عندما يكبر سيرى بعينه الواحدة كيف يعيش “بيتر” الذي وُلد في الولايات المتحدة الأمريكية بذات يوم مولده (أي مولد كريم) وكيف يحظى الآن بطفولة طبيعية، وسيراقب بعينه الواحدة كيف يتعلم بيتر احترام القوانين وحقوق الإنسان في المدرسة والبيت و الشارع، وكيف سيصبح الالتزام بتلك القيم العظيمة جزءًا من ثقافة بيتر وأسلوب حياة يعيشه.
ومن ضمن الخيارات الكثيرة المتاحة لبيتر في بلده، خيار أن يكون جندياً في المارينز، وقد يذهب بيتر إلى أي مكان في العالم ليقاتل الإرهاب فيه.. في أفغانستان أو العراق أو فيتنام.. لكن ما سيذهل كريم ويقوده للجنون أن بيتر سيترك كل ما تعلمه عن حقوق الإنسان واحترام القوانين ضمن حدود بلده قبل أن يسافر، وربما يساهم في قتل أطفال أو ثمل عيونهم كما حدث مع كريم.
وستزداد دهشة كريم وهو ينظر بعينه الواحدة إلى بيتر وهو يقاتل بشراسة دفاعاً عن حقل نفط في دير الزور شرق سورية، وفي الوقت نفسه يراقب ببرود كل المجازر التي ترتكب بحق السوريين في ذات الوقت في مناطق أخرى من سورية، هذا إذا لم يرتكب بيتر نفسه مجازر مشابهة بحق السوريين خاصة إذا شاءت الله أن يكون طياراً!
ثنائية كريم وبيتر قد تتطور أكثر من ذلك، فقد يصبح بيتر يوماً ما مسؤولاً أمريكياً مهماً، وقد يقرر كريم الانتقام لعينه الأخرى وهو يرى بعينيه المتبقية كيف أن السيد بيتر لا يعرف إلا حقوق الإنسان الأمريكي، وأنه مستعد لقتل مئات الأطفال في أي مكان من أجل مصلحة دولته دون أن يتأثر أبداً.
قد يرى كريم كيف يتحالف بيتر مع النظام الذي اقتلع عينه ونصف وجهه بدعوى مواجهة الإرهاب، قد يصبح كريم إرهابياً عندما لا يجد العدالة في هذا العالم إلا عبر أفلام السينما التي يكتبون تحت عناوينها: “إن ما تشاهده في هذا الفلم لا يمت لعالم الحقيقة بصلة.”
هنا على بيتر أن يحذر من كريم؛ لأن الوقوف إلا جانب القتلة هو ما يخلق الإرهاب، سيقولون عن كريم إنه إرهابي عندما يقتل بيتر في مناسبة ما مُفجراً نفسه، لكن كريم لن يكون إرهابياً، كل ما فعله أنه وصل إلى ثأره فحسب.