علي سندة |
لا أعتقد، أخي القارئ، أنك لم تسمع بمقولة “على حساب بشار” وربما من عاصروا حكم الأسد الأب يعرفونها “على حساب حافظ”
إن تلك المقولة باختصار يستخدمها كل شخص يعتدي على الممتلكات العامة، فإذا سألته لمَ فعلت ذلك؟ يجيبك بها تبريرًا لفعله الذي هو بالنهاية لا يخرج عن السرقة! فيستلطف بها ما قام به ويحاول ممارسة شيء من المزاح باستخدامها، وبمعنى آخر كأنه يقول: “لنا على الدولة الكثير وهذه أبسط حقوقنا.”
ويضارعها في المعنى من يعتدي على الممتلكات العامة باسم “الغنيمة” وباسم “هذه أموال النظام!” ويقصدون بها تبرير سرقتهم لها أو الاعتداء عليها بدل صونها، والمؤدى واحد.
وكمثال ليس ببعيد عنا ما صدر عن الشركة العامة للكهرباء بشأن محطة كهرباء الزربة، إذ قالت في معرض تقييمها للأضرار: إن “الشبكة تحتاج إلى تعويض 66كم نتيجة السرقة! بما تكلفته 400 ألف دولار أمريكي.” إذا النتيجة سرقة لممتلكات عامة ربما من جماعات وربما من أشخاص، بالإضافة إلى القصف.
سابقًا كانت سرقة الكهرباء العامة تُعدُّ من المهارة والذكاء عند من يقومون بذلك، ويبررون ذلك أنها على حساب بشار! بل إن تلك المقولة صار لها نسخة تركية! وقد سمعتها من أحدهم عندما رأيته يسرف باستخدام الكهرباء، وسألته لمَ لا تقتصد، فأجابني: “على حساب أردوغان!” للوهلة الأولى لم أفهم قصده وظننت أن لديه منحة ما أو ما شابه ذلك من مساعدة، لكن سرعان ما ربطتها بعبارتنا الوطنية وفهمت قصده!
الأمر ليس مرتبطًا بالكهرباء فحسب، إنما يشمل كل مرفق عام ينتفع منه العامة بالتساوي، فالجلوس على كرسي الحديقة على بقايا أخشاب حرمان خلفه صاحب مقولة “على حساب بشار” وكذلك اقتلاع سكك الحديد بداعي أموال النظام والغنيمة، واحتطاب الأشجار بداعي التدفئة، بل كنا نشهد سابقًا تكسير الكراسي في المنشآت الرياضية، وتكسير الهواتف العامة في الشارع وإشغالها بعمد والاحتيال على الحصَّالة بطرق متعددة، وتكسير إشارات المرور، والأمثلة أكثر من أن تُحصى.. وكله على حساب الدولة!
حريّ بمن يقومون بتلك الأفعال أن يقولوا على حساب أخي بدل على حساب بشار، لأن الدولة وممتلكاتها ليست لبشار، لكن هل سمح لك أخوك في المواطنة بالتنازل عن حقه لك؟! أليس كل ما يمارس بحق المرافق العامة التي تعود مُلكيتها لجميع أفراد المجتمع وهي مؤسسات تابعة للدولة، اعتداء على كل فرد من المجتمع أو الدولة ككل؟!
إن كان هؤلاء قد نسوا الوازع الديني أثناء قيامهم بفعلتهم، وهو أولى بردعهم، ألم يفكروا بالجانبي النفعي الذي يعود على الجميع فيما لو تم الحفاظ على تلك الممتلكات وصونها؟!
المرافق العامة ملك الجميع والحفاظ عليها واجب كل فرد في ظل غياب الدولة ووجودها، بل إن الأصل في الحفاظ عليها لا يتطلب وجود الدولة التي تمثل الجهة الرقابية، فالمنظومة الأخلاقية التي يمتلكها كل فرد على اختلاف دينه ومعتقده، كفيلة بوضع قبة أمنية تحمي الوطن بما فيه.
وحسبنا أن نقول أخيرًا: إن الأخلاق بما للكلمة من دلالات وحوامل دينية ومجتمعية هي زادُ كل فرد منَّا تعينه في السير على صراط الوطن الذي يمثل خط تقدمه وتأخره، فبقدر صوننا للأخلاق نسير بخطى ثابتة ونرتقي، وبقدر الاستهتار بها وعدم الأخذ على يد من يشذ عنها سيهوي من على الصراط ونهوي معه جميعًا إلى خراب بلدنا، عندها سيكون هذا السلوك على حسابنا جميعًا.