بقلم : الصاحب الحلبيلعل الثروة الأعظم والقوة الأقوى، التي تتميز بها الثورات، هي الشباب. فالشباب هو المكوّن الأساسي للثورات عموماً، وللثورة السورية على وجه الخصوص.ولعل النظام قد ساهم بجعل الشباب هو المكوّن الرئيس للثورة السورية، باستمراره في دفع الرواتب للموظفين وأصحاب الكفاءات برغم عدم التزامهم بالعمل في كثير من الأحيان، مما منعهم من المساهمة في الثورة أو العمل في المناطق المحرّرة، مما أحدث فجوة اضطر الشباب لسدّها في الميادين كلها.فالقادة العسكريون في الثورة من الشباب، وكذلك المقاتلون وصانعو السلاح. والقادة في العمل الثوري المدني من الشباب كذلك؛ في ميادين الطب والقضاء والتعليم والإعلام والدفاع المدني والمجالس المحلية والجمعيات الإغاثية، والعاملون في ذلك كله من الشباب أيضاً، عدا قلة قليلة ممن تجاوز سن الشباب والتحق بالثورة وسار في ركابها.وجود الشباب في الثورة يعطيها طاقة هائلة من الاندفاع الخلاق والرغبة في التحرّر، لذلك نجد الثبات والإصرار على المواجهة برغم الظروف القاسية، وقلة الذخيرة وانعدام السلاح النوعي والتآمر العالمي مع نظام الطاغية بشار، ونجد الاستبسال في ساحات المعارك، والإبداع في ساحات العمل المدني.وجود الشباب في الثورة يمنحها كذلك معيناً لا ينضب من الثروة البشرية المتجددة. خاصة أن الشعب السوري شعب فتيّ ترتفع فيه نسبة الشباب والأطفال، على حساب الكهول وكبار السن. فنجد الجيل من الشبان بعد الجيل مستعداً لحمل السلاح، يتهيّأ بالمعسكرات والتدريب، على حين يضطر النظام إلى استقدام الميليشيات والمرتزقة من كل مكان، ويجنّد المجرمين وقطاع الطرق لمؤازرته في حربه الوجودية ضد الحرية.ويتميز الشباب بالمرونة، والقدرة على التكيف، والتعلّم من الأخطاء، والاستفادة من التجارب، لذلك كان التطور الهائل في مسار الثورة، فقد اكتسب الشباب خبرات عسكرية في قيادة المعارك وخوضها، وفي تصنيع السلاح المتنوّع واستخدامه، وابتكروا خططاً وأسلحة أذهلت العدوّ وأربكته. كما استفادوا من أخطائهم في العمل المدني، فتطور عملهم تطوراً كبيراً، واستفادوا من دورات التأهيل التي تقدّم لهم. فبدأ عمل كثير منهم يتسم بالحرفية والإتقان، بعد أن كان استجابة عفوية لضرورات المرحلة، وبدأت النتائج الإيجابية تظهر في العمل المدني.لكنّ كون الشباب هم العنصر الغالب في الثورة له سلبيات كثيرة، إلى جانب الإيجابيات التي ذكرت آنفاً؛ لعل من أخطرها قلة الخبرة، التي أوقعت الثوار في كثير من المصائب والكوارث. فالتعلم من الأخطاء يستدعي وقوع تلك الأخطاء أولاً، وانعكاساتها خطيرة على الثورة، ولعل كثيراً من الأخطاء الجسيمة في العمل الثوري؛ العسكري منه والمدني، سببها قلة الخبرة، وثمنها إزهاق أرواح خيرة الشباب وهدر طاقات هائلة تؤثر في مسار الثورة كله.ومن سلبيات غلبة الشباب في الثورة كذلك طيش الشباب واندفاعهم في بعض الأحيان، الأمر الذي أدى لنزاعات وصدامات جرياً وراء سمعة أو مكانة، كما أدى إلى تقدّم وهمي على بعض الجبهات، وخسائر فادحة في الأرواح والمعدّات. أو التصريح ببعض الخطط قبل تنفيذها مما يؤدي إلى إفشالها أو إلغائها في كثير من الأحيان.كما أن من المخاطر الجسيمة كون الشباب يسهل استدراجهم أو التغرير بهم وغسل أدمغتهم، وقد استغل النظام هذه النقطة، فاستدرج فئات من الثوريين، بخبث ودهاء ليحقق مآرب لم يتنبه لها الثوار إلا بعد حين.ومن الواضح قيام بعض الجهات بغسيل أدمغة بعض الشباب وتحويلها إلى أدمغة ذات اتجاه واحد، محشوة بأفكار غير منطقية وغير قابلة للتغيير، ينتج عنها سلوك غير منطقي وغير مقبول في أي شريعة من الشرائع.إن كون الشباب عماد الثورة السورية أمر واقع لا سبيل إلى تغييره. لذلك لا بد من استثمار إيجابيات الشباب من طاقة عظيمة ومرونة كبيرة وقدرة على التعلّم والتكيف في ثروة بشرية دفّاقة. ولا بدّ من التنبّه للسلبيات وعلاجها؛ فقلة الخبرة تعالج بالتدريب والتأهيل، والطيش وسهولة الاستدراج تعالج بالتوعية والتنوير وتدريب الشباب على طرائق التفكير. والإسراع في علاج هذه الأمور كلها يؤدي إلى تجنيب الثورة والأمة كلها آثارها السلبية المدمرة.