لا يمكن لمركب أن يسير بدون ربان، تلك حقيقة نؤمن بها جميعاً، كما أنه لا يمكن أن يسير ببحارة يعتقد كل منهم أنّه الربان الذي يقود السفينة، تلك حقيقة أخرى، يقول الواقع أننا لا نؤمن بها بشكل جيد، إذاً المشكلة التي نتصدى لها هي مشكلة في الإيمان، قد يكون الأمر مضحكاً، أرجو أن تبتسم قليلاً قبل أن نكمل ..إن الشعور بالقيادة في المجتمع هو أمر مطلوب بشكل عام، ولكن يجب أن يرتبط هذا الشعور بالدور الذي يؤديه الفرد في هذا المجتمع، لا أن يتحول لتطلع نحو المقدمة، لشعور بالتمايز والفوقية عن الأخرين، للشعور بوهم النخبة المقيت حيث يرى الفرد نفسه القائد الملهم، الذي يجب أن يتقلد المناصب المهمة ليقوم بصناعة التغيير، فيجلس منتظراً دوره القيادي بينما يصنع الآخرون أدوراهم بجد وإخلاص وإيمان بهذا الدور .نعم المشكلة التي نواجهها، هي مشكلة اعتقاد وإيمان، اعتقاد مقيت ترسخ عبر زمن بنفس العقلية الاستبدادية القديمة، هذه العقلية الاقصائية التي وجدت متنفساً لها في جميع الاتجاهات في المجتمع، فابتدعت الرأي الواحد، والسلطة الواحدة، والفرقة الناجية، وأخيراً شعور النخبة الذي أصبح وهماً يتكئ عليه الكثيرون، بانتظار دورهم الريادي ليصنعوا ذلك التغيير الذي لن يستطيع المجتمع البسيط الأخرق على حد زعمهم من صناعته، كما أنه لن يستطيع فهم أفكارهم وعباراتهم وتطلعاتهم، لأنهم ببساطة قادة متميزون، لا يمكن للبسطاء فهم تعقيد الحياة والعبقرية التي يعيشونها .القيادة الحقيقة ليست بالتنافس حول المقدمة، هي في ذلك المجدف الذي يؤمن بدوره من أجل أن تسير السفينة، ويستطيع أن يفهم أنّ هذا الدور لا يقل أهمية عن دور الربان إذا أرادوا أن يصلوا إلى اليابسة بسلام، كم أنها بذلك الربان الذي يقدر هذا الدور جيداً ولا يعتقد أنه بمفرده من يقود السفينة للأمام .مجتمع القادة هو مجتمع يتكامل بأدواره، هو مجتمع بأكمله نخبة، مجتمع يقدر كل الأدوار من أجل وصول السفينة إلى غايتها، الإلهام فيه يكون على قدر العمل والعطاء والتضحية، لا على قدر شعارات جوفاء لا قيمة لها . المدير العام / أحمد وديع العبسي