سلوى عبد الرحمن |
يقف السوريون بشقيهم “الموالي والمعارض” على عتبة مرحلة جديدة، يعتقد فيها البعض أنها نهاية لسنوات دامية وإعادة استقرار، بينما لخصها آخرون بأنها التفاف على إرادة الشارع السوري.
بمطلق الأحوال؛ الأمور تسير باتجاه فرض “دستور جديد” للدولة السورية، وتؤكد الوقائع على الأرض أن اللعبة خرجت من يد المعارضة والنظام، في إطار دورٍ روسي يعتبر الأقوى، مع هامشٍ يُرضي أمريكيا دون شك.
المراقب عن كثب للحرب وعلاقة الأطراف الفاعلة على الأرض تتجه أنظاره مباشرة إلى أن الصدام المباشر كاد يقترب لولا أن الأوراق السياسة التي يمتلكها الجميع تمكنت من بسط رأيها لصالح إيجاد تفاهمات تنهي المواجهة بطرق دبلوماسية تُعطي فرصًا كافية لأولئك اللاعبين بهامش من المناورة لتحصيل مزيد من المكاسب، والدستور هو إحدى نقاط التقاء الجميع على الطاولة التفاوضية.
ومن غير المنطقي إنكار ما لم ينكره الموالون في أن وضع مسودة الدستور يُعد أحد أصعب مراحل الحل السياسي للملف السوري؛ مع ملاحظة مهمة أن تلك المسودة ينقصها موافقة الشارع المعارض المغيب حقيقة عنها؛ بوجود جهات لا تمثله، وهذا وحده كافٍ لنسف الموضوع وإفشاله مستقبلاً، إذ يفترض المنطق والقانون توفير الدستور للشروط الأساسية التي يريدها الشعب السوري بمختلف مكوناته.
يقودنا هذا للبحث عن إجابة لبعض التساؤلات التي تهم الشارع، في مقدمتها تعريف الدستور.
من واقع تجربة عايشتها مؤخراً في أحد اجتماعات التمكين السياسي للمرأة سألنا المدرب عن تعريف الدستور السوري، وماذا يحتوي؟ لم يجب عن السؤال سوى ثلاثة نساء من أصل 10 وكانت إجابتهنَّ محدودة جداً بقدر معرفتهنَّ به، شخصيًا، كنت قد قرأت قبل الذهاب للتدريب ما تثنى لي من مبادئ الدستور بهدف المشاركة والحصول على بعض المعلومات التي قد تفيدني في عملي الصحفي.
والحقيقة بأن كل ما كنت أعرفه عن الدستور، لا يخرج عن فكرة اعتباره وثيقة لها قدسية متمثلة بقوانين تنظم العلاقات بين الأفراد مع بعضهم وبين الأفراد والدولة، مع كفالتها حقوق المواطنين وواجباتهم وحرياتهم، ولست على اطلاع بكافة تفاصيله، وكذلك حال الكثيرين في سورية إلا أصحاب الاختصاص وخريجي الحقوق؛ فمعظمنا نحن السوريين لا نهتم بتلك التفاصيل، ربما لانشغالنا بأمور وقضايا حياتنا التي نعتبرها أكثر أهمية. وربما لأننا كنا مغيبين فكرياً وسياسياً، في دولة تقوم على الإرهاب الأمني وحكم العسكر الذي عطل العجلة السياسية والدستور في آن واحد بعد أن باتت السلطة أحادية الجانب.
لكن الثورة السورية والحرب بكل سلبياتها دفعت الكثير منا للاهتمام بقضايا ومسائل لم نكن نكترث لها سابقًا، كالخوض في السياسة، أو الانتماء لفصائل وأحزاب، والاطلاع على مسائل ومعارف جديدة ربما بعيدة عن اختصاصاتنا، وضرورة معرفتنا بتلك الأمور لم تأتِ طوعًا.
عموماً؛ وبعد البحث يمكن استخلاص تعريف قانوني للدستور، كما يعرفه فقهاء هذا العلم، على أنه مجموعة المبادئ المنظمة لسلطات الدولة، المبينة لحقوق الحكام والمحكومين فيها، والأصول الرئيسة التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة.
وبناء على ذلك فالدستور هو الإطار الذي تعمل الدولة بمقتضاه في مختلف الأمور المرتبطة بالشؤون الداخلية والخارجية، بما في ذلك نظام الحكم، وشكل الحكومة، وتنظيم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات والضمانات التي تتوفر لها من قبل السلطة.
بعد كل ما سبق، تبقى الكثير من الأسئلة مفتوحة على التكهنات، برسم السياسيين، من هم الذين سيصوتون على الدستور؟ الجواب بدون شك السوريون لكن من هم السوريون في ظل الشتات في أصقاع الأرض وانقسامهم ما بين موالين ومعارضين؟ فضلاً عن المغيبين في المعتقلات، وآلية الوصول إليهم، وماذا عمَّن كبروا خلال سنوات الحرب ولا يمتلكون بطاقات شخصية لينتخبوا بها؟ كيف سيتم الوصول لكافة السوريين ليدلوا بأصواتهم؟
وأخيراً هل سيصوت السوريون في مناطق النظام بحرية ونزاهة؟ وماذا عن القبضة الأمنية خلال عملية التصويت أو الانتخابات؟