عبد الملك قرة محمد |
نقف اليوم جميعنا أمام إنجاز عربي يتعدى حاجز الرياضة ويستدعي منا الدراسة والاهتمام والتطبيق في معظم الأمور والمشاركات العربية .
التجربة القطرية في مجال الرياضة كشفت ما ينقص العالم العربي(العالم يلي لبسناه ثوب الفشل وقعدنا نندب عليه) فالفشل لم يولد معنا نحن العرب كما يحاول الجميع أن يزرع في مخيلاتنا هذا المفهوم بل إن الفشل في مناحي الحياة عامة والرياضية خاصة ناتج عن سوء إدارة الدول العربية لمشاكلها.. لأحلامها..لحرية شعبها ..لخططها بالدرجة الأولى.
أنا وأشاهد مباراة قطر واليابان “ساموراي آسيا” وأفضل منتخب فيها (يلي كل سنة كان يمسح الملعب بالمنتخبات العربية ويفتح فيهم شوارع) ، عادت بي الذاكرة إلى مونديال روسيا 2018 عندما “صرنا مسخرة بين الأجانب” نتيجة طريقة لعب المنتخبات العربية التي تخطى سوءها كل التوقعات المتشائمة، شاهدنا المنتخب السعودي الذي صرف مليارات للوصول إلى كأس العالم وهو يخسر أمام المنتخب الروسي في افتتاحية البطولة خسارة مابعدها خسارة بين قوسين (تبهدل).
وودعت المنتخبات العربية الآسيوية منها والإفريقية كأس العالم مبكراً دون الانتظار حتى انتهاء الدور الأول، نكسة رياضية سلطت الضوء على كل النكسات العربية في كل المجالات (إذا بالرياضة ما نفعنا شو منتظرين من العرب!!).
اليوم قطر دولة عربية صغرى لا تملك كل المقومات التي تملكها الدول العربية كالسعودية وغيرها لكنها استطاعت بشكل أو بآخر أن تتغلب على ذاتها وتصنع إنجازاً يعيد بعض الثقة إلى الجماهير العربية فكيف صنعت قطر مجدها وهي في أسوأ الحالات الاقتصادية نتيجة الحصار؟!
تخطيط استراتيجي
في الحقيقة إن ما قامت به قطر يصلح ليكون نموذجاً إنسانياً في فنون إدارة الدولة وصناعة التاريخ، فقطر أثبتت اليوم أن العرب لا ينقصهم مال ولا أرض ولا علاقات اقتصادية ولا حماية أمريكية تكلف الملايين ولا أي عنصر مادي بل ما ينقص الدول العربية هو التخطيط الاستراتيجي المنظم.
لو تتبعنا مراحل صناعة المنتخب القطري لوجدنا أنها استمرت لسنوات بشكل منظم ولعرفنا بأن مراحل تشكيل المنتخب وإعلانه يتزامن بشكل فائق مع كأس العالم الذي سيكون في قطر 2022. (مو متل عنا بسورية نظام الأسد بحط خطة لخمس سنوات ما بطبق منها إلا الغلاء والاعتقال والباقي بضل حبر عورق).
دقة التخطيط القطري تتضح لنا في تأخير الإعلان عن العناصر الشبابية إذ كان من الممكن الإعلان عن هذا المنتخب في العام الماضي والتأهل به إلى كأس العالم لكن التخطيط الاستراتيجي القطري يراعى فيه عنصر الدقة الزمانية فقطر تحاول صناعة منتخب يرفع رأس العرب في كأس العالم 2022 ويقارع المنتخبات الأوربية لأنه كما شاهدنا المنتخبات الآسيوية أصبحت ضعيفة جداً قياساً لمنتخب قطر وكأننا نشاهد منتخب أوربي أو أمريكي “يلاعب” منتخبات آسيوية ضعيفة (منتخب اليابان ذكرني بمنتخب البراميل الهزيل هيك صار فيه وقت خسر من أستراليا) والنتائج أكبر دليل ثنائية مع السعودية ثلاثية مع اليابان رباعية أمام الإمارات وسداسية مع كوريا نتائج كبيرة لمنتخب صاعد حديثاً إلى الأضواء لكنه محضّر بعناية مخيفة حتى لأقوى المنتخبات التي ستشارك في كأس العالم القادمة.
السعودية مثلاً صرفت مليارات على منتخبها علّه يقدم أداءً راقياً في كأس العالم لكنها فشلت لأنها استندت على المال فقط كما أرسلت لاعبيها للعب في دوريات أوربية أبقتهم على دكة الاحتياط (طبعاً لأنو مو مستعدة تنزل لاعبين يعملوها مسخرة) وعادوا إلى السعودية كما خرجوا منها (لا لعب ولا شي وكل واحد زاد 10 كيلو واركض اذا بتركض) لا بل فقدوا كثيراً من مهاراتهم أما المنتخب القطري فقوامه التخطيط البطيء المتأني الذي يعتمد على تنمية المهارات دون تشكيل ضغط مادي على اللاعبين من خلال آلية الوعد والوعيد.
مصر هي الأخرى دخلت كأس العالم مع محمد صلاح كأن المنتخبات الأخرى ليس لديها أشباه صلاح ..تجاهلت حينها سواريز وكافاني نجمي المنتخب الأرغوياني الذي وقع معها في نفس المجموعة (وفتح شوارع بدفاع مصر ولولا دعوات محمد صلاح أبو الأخلاق كانت مصر خسرت بالستة لكن شاءت الأقدار تخسر بهدف وحيد) وهنا تعلمنا أمراً مهماً هو أن الاعتماد على العنصر الفردي في لعبة جماعية لا يجدي نفعاً وفي نظرة سريعة على المنتخب القطري سنلاحظ أن اللاعبين القطريين موزعون على أرض الملعب كأنهم حجارة شطرنج محسوبة تحركاتهم بالملمتر نعم.. شاهدنا منتخباً عربياً بأسلوب أروبي بحت.
الحب والتعاضد والقيم
سلطت التجربة القطرية في الرياضة اليوم وفي كل نواحي الحياة سابقاً الضوء على العوز الأخلاقي في ضمائرنا العربية وعلى ما تصنعه السلطات في نفوسنا.. على كل الحقد الذي نملكه على بعضنا..على كل التفرق الذي يمنعمنا من المشاركة في فرحة النصر مع أشقائنا.
الأحذية التي تراشقت على اللاعبين القطريين والكلمات التي خرجت من أفواه المشجعين الإماراتيين والصور المؤلمة للإماراتيين وهم يشجعون منتخب اليابان ضد شقيقهم وجارهم كل تلك التفاصيل تكشف عن واقع مؤلم ليس فقط في الرياضة بل في الإعلام والسياسة والاقتصاد فهؤلاء الذين حاربوا قطر رياضياً حاربوها سابقاً اقتصاديا وسياسياً وإعلاميا ومستعدون لقتالها عسكرياً إن احتاج الأمر أو ازداد الضعف الأخلاقي لديهم .
أمور كثيرة كشفها فوز قطر الذي قد يراه البعض فوزاً رياضياً عادياً لا يستحق أي اهتمام مبالغ فيه لكنني وكثيرين نراه كبيراً يفتح باباً جديداً لتجارب عربية جدية قادرة على خلق مستقبل عربي مشرق ربما هو أمر صعب لكننا سنستطيع القيام به عندما تكون الكرة في ملعبنا لا أن نكون في مهب رياح الاستعمار والانبطاح للمخططات الغربية.