محمد نور يوسف |
منذ بداية السنة الجديدة قبل شهر، أعلنت مديرية الصحة في مدينة إدلب أن العمل أصبح تطوعيًا لجميع العاملين في المديرة والمنشآت التابعة لها؛ بسبب تعليق الدعم عنها، وقد حذر أطباء بأن هذا التوقف قد يؤدي إلى كارثة إنسانية في معظم المناطق المحررة إن توقفت المشافي والمراكز التابعة لها عن العمل.
مديرية الصحة تقدم أكثر من ثلاثمئة ألف خدمة طبية بشكل مجاني من خلال 200 منشأة طبية بين مشفى ومركز ومنظومة إسعاف وعيادات نقالة ومراكز طبية تخصصية.
الآن بعد مضي شهر كامل عن توقف الدعم، هل بدأت المشافي والمراكز الطبية بإقفال أبوابها أمام المرضى والمراجعين؟
أجرت حصيفة حبر السورية زيارات لبعض المراكز التابعة لمديرية الصحة لمعرفة مدى استمرارية العمل فيها وتأثرها بتوقف الدعم.
قال (عبد الله حلاق) فني التخدير في مركز الطبقي المحوري التابع للمديرية: “يقدم المركز خدمة بأجور رمزية للتصوير الطبقي المحوري وباقي الصور التي يحتاجها المرضى، وهو المركز الوحيد في المنطقة بالإضافة إلى مشفى باب الهوى، لكن الأعطال في أجهزة مشفى باب الهوى كثيرة، ويوجد مركز آخر خاص في المدينة وفي تل منس وفي سلقين، لكن تكاليف الصور فيها مرتفعة نسبياً.
فصورة الدماغ عندنا تكلف 2500 ل.س على سبيل المثال لكن في المشافي الخاصة تكلف 13000 ل.س وصور البطن عندهم تصل إلى 40 ألف ل.س وعندنا تكلف 7 آلاف ل.س.
عدد المستفيدين من هذا المشفى ثلاثة آلاف مستفيد شهرياً بمعدل مئة صورة في اليوم الواحد، نحن مستمرين بالعمل مدة شهر كحد أقصى، الكادر الذي يخدم هذا المركز يعمل بأجور رمزية، حالياً لم نتأثر بتوقف الدعم عن المديرية لأننا نستخدم المازوت المتبقي ومواد التصوير، وأدوية التخدير تنفد وكذلك الأفلام والحمض للأشعة البسيطة، ونحتاج إلى صيانة جهاز الطبقي بشكل دائم.
إن لم يأتِ دعم جديد قد يتوقف المشفى عن العمل ويسبب مشكلة لعدد كبير من المراجعين، لكن هناك خطة مطروحة من قبل الصحة لرفع أجور التصور بضعف أو ضعفين إن تأخر الدعم لكي تغطي نفقات المشفى، وهذا سيؤثر سلباً على المراجعين الفقراء”.
يضيف أحد المراجعين من منطقة معرشورين: “جئت لكي أصور والدتي المريضة ودفعت مبلغ13000 ل.س لصاحب الميكروباص ذهابًا وإيابًا؛ لأن هذا المشفى يأخذ أجورًا رمزية وأحياناً بالمجان، نحن لا نملك المال لكي نذهب إلى مراكز تصوير خاصة في حال رفع الأسعار هنا.”
وقد التقينا مع (عبد الكريم السعيد) فني غسيل الكلى في مشفى ابن سينا وقال:
“هذا المركز الوحيد في محافظة إدلب الذي يقدم الخدمة لـ 150 مراجعًا بمعدل 40 جلسة غسيل كلى بشكل يومي على مدار 24 ساعة، وهناك مركز آخر صغير يوجد فيه 5 أجهزة فقط في مركز شفق لا يتبع لنا.
يأتي إلينا المراجعون والمرضى من مختلف المناطق من ريف حماة وحلب وريف إدلب، نحن نقدم الخدمات بالمجان ولا يكلف المراجع بدفع أي أجور رغم التكلفة الكبيرة نسبياً لمرضى غسيل الكلى، علمًا أن جلسة الغسل في المراكز الخاصة تبدأ من 10 آلاف ل.س إلى 15 ألف.
مبدئياً لم يتأثر عمل المركز بتوقف الدعم عن مديرية الصحة، لكن إذا طال سوف نتأثر، الراتب متوقف منذ شهر وممكن للكادر أن يتحمل شهرين كأقصى حد دون راتب، ونرجو ألا يتأخر التوقف عن الدعم لأن الكادر ربما لن يستطيع إكمال العمل.
المواد الموجودة في المشفى قد تكفينا مدة أربعة أشهر ويتوقف بعدها المركز عن العمل، لكن هذا سيسبب كارثة كبيرة لـ 150 مريضًا وسيكون مصيرهم الموت إن لم يتمكنوا من الغسل”.
(صفوت شيخوني) مدير مكتب المدير في صحة إدلب:
“كانت مديرية صحة إدلب مدعومة من قبل الوكالة الألمانية للتنمية والتطوير (GIZ) وقد تم تعليق دعم مديرية الصحة من تاريخ 1/1/ 2019 وتم إخبار العاملين بذلك.
لم يكن إيقاف العمل بموجب مذكرة التفاهم بين الجهتين، لكن كان لإجراء دراسة جديد للمنطقة، بحيث لا يعتبر دعم مديرية الصحة والمنشآت الخدمية في إدلب تمويلاً للإرهاب.”
هل تواصلتم مع جهات أخرى لتأمين الدعم للمديرية؟
“حالياً لا لأنه تم إخبارنا بتعليق العمل وليس إيقافه، لكن في حال أُخبرنا بانتهاء العمل نهائياً وانتهاء التعليق، حينها سوف تكون أول خطوة للتواصل مع جهات أخرى لتأمين منحة أو دعم مالي.”
إلى متى تستطيع مديرية الصحة العمل دون دعم؟
مديرة صحة إدلب عندها مشاريع مثل مشروع الطبقي المحوري ومشاريع أخرى تستطيع من خلالها استجلاب بعض الموارد المالية، لكنها لن تكفي لاستدامة العمل في المديرية أو المراكز نفسها.”
هل بدأت تبعات توقف الدعم تلامس المراجعين في المشافي والمراكز الطبية؟
“حالياً جميع المنشآت المدعومة من صحة إدلب التي توقف عنها الدعم تعمل بشكل طبيعي، لكن عمل الكوادر أصبح تطوعيًا وعندنا ثقة بالكوادر لاستمرارهم بالعمل حالياً لأنها ليست أول مرة نخبرهم فيها عن توقف الدعم، والكادر عنده ثقة بعودة الدعم قريباً، أو القبول بالحلول التي تطرحها المديرية.”
هل هناك خطة طوارئ إن تأخر الدعم عنكم؟
“يوجد خطة طوارئ ويوجد عدة حلول، وتم اجتماع مديرية الصحة مع مديري المشافي وتم الاتفاق على بضعة حلول مؤقتة لتجاوز هذه الأزمة في حال استمرارها، سيكون هناك حلول مبدئية من خلال تحويل بعض الخدمات النوعية حصراً، وليس الخدمات المنقذة للحياة، إلى خدمات مأجورة بشكل رمزي وليست بشكل مشابه للمراكز الخاصة، وهذه الخدمات التي ستصبح مأجورة بشكل رمزي تدر موارد مالية تعطي صلاحية لاستمرار العمل مؤقتاً، لكنها تبقى حلول مؤقتة لأن الحلول الكاملة تحتاج إلى تضافر جهات أخرى غير قطاع الصحة، لأن قطاع الصحة غير ربحي.
بالنسبة إلى مركز غسيل الكلى ليس ضمن المنشآت ذاتية التمويل؛ لأنه من الخدمات المنقذة للحياة، لكن الخدمات التي قد تصبح مأجورة هي المراكز غير المنقذة للحياة، مثل الطبقي المحوري، ولكن الحل بالنسبة إلى مركز غسيل الكلى هو طرحه على منظمات ثانية لأنه مركز وحيد كيلا يتوقف عن العمل بغض النظر عن المنشآت الأخرى.”
مديرية الصحة من أهم المديريات في المناطق المحررة، فمن دونها لن يستمر العمل الطبي بشكل سليم، والحلول الدائمة لتغطية نفقاتها صعبة بوقتنا الحالي، لأن الحلول المتكاملة تحتاج تضافر قطاعات ربحية مع قطاع الصحة، أو تمويل يغطي نفقاتها كالمنظمة السابقة، فإلى متى سيدوم الأمر دون تمويل؟