المؤلف: جون بيركنز.
ترجمة: مصطفى الطناني ود.عاطف معتمد
الناشر: دار الطناني للنشر, القاهرة -الطبعة: الأولى/ ديسمبر2008.
حين صدر الكتاب الذي بين أيدينا في نسخته الإنجليزية وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” بـ”الأكثر مبيعًا”، وتسابقت دور النشر العالمية على ترجمته إلى لغاتها، وكان من بين أهم هذه اللغات الفرنسية والألمانية والروسية. وصدرت مؤخرًا ترجمة الكتاب إلى العربية في وقت يتناسب مع الرغبة في تفسير أسباب وآثار الأزمة المالية العالمية.
صناعة القاتل (التدريب):
يتطرق الكاتب في المقدمة إلى بداية تدريبه ليصبح “قاتلاً اقتصاديًا” على يد معلمته “كلدوين” والتي طالبته بسرية انضمامه لهذا العمل، مشددة على أنه بمجرد دخوله ـ أي الكاتب ـ المجال فلا سبيل للخروج، وكيف أن الطريقة التي يمارس بها هذا العمل كانت تعتمد على إدراك نقاط الضعف واستغلالها، مما يدلل على مدى المراوغة التي يتمتع بها العاملون في هذا المجال.
المهمة/ الرسالة:
وصفت “كلدوين” مهمة الكاتب الأساسية بأنها لن تتغير أينما كان، على أن يقوم بتشجيع زعماء العالم ليصبحوا جزءًا من شبكة اتصالات واسعة تروج لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية التجارية. وفي النهاية، يقع هؤلاء القادة في شراك شبكة من الديون تضمن خضوعهم التام، وهكذا يمكن الاعتماد عليهم كلما دعت الحاجة لتنفيذ مخططات تعود بفوائد سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. وفي المقابل يوسعون دائرة نفوذهم من خلال إنشاء محطات توليد كهرباء ومنشآت صناعية ومطارات لمواطنيهم، وهكذا يصبح أصحاب شركات الإنشاءات الأمريكية في ثراء فاحش.
الكوربوقراطية الأمريكية:
عندما يصل حد النهم لاستنفاذ ثروات الأرض إلى مكانة تقترب من القداسة، وعندما نعلم أولادنا أن يقتدوا بأناس يعيشون حياة غير متوازنة حيث الأغلبية من الشعب تابع ذليل بينما الأقلية من الصفوة، هنا تتجسد الكوربوقراطية بمكوناتها كمنظومة شركات وبنوك وحكومات مجتمعة تسعى بشكل حثيث لترسيخ فكرة الإمبراطورية العالمية، وأنها تسخر كامل قواها لتتأكد من أن مؤسساتها من مدارس وقطاعات أعمال وإعلام تساند ذلك المفهوم الزائف، أما في حالة فشل القتلة الاقتصاديين فهنا يتحول كل ذلك المجهود إلى تمهيد لمن أشار إليهم بالثعالب ـ قاصدًا الـ”سي آي إيه “ـ في تكملة الطريق واصفًا إياهم بالنوع المؤذي من المتخصصين في العمليات القذرة، أما إذا ما فشل هؤلاء فحينئذ تتدخل الجيوش، ويتضح مما سبق أن القتلة الاقتصاديين هم رأس حربة النظام الإمبريالي الجديد، وأبرز مثال على نجاح هؤلاء يتمثل في الإكوادور، وأبرز دليل على فشلهم يكمن في كل من أفغانستان والعراق.
قائمة الضحايا:
1ـ الإكوادور 1968:
خلال عام 1968 حينما تمت الزيارة الأولى للإكوادور كقاتل اقتصاي، نتج عنها مد خط أنابيب بطول 300 ميل وتكلفة 1.3 مليار دولار يتولاه تحالف مالي ينظمه مجموعة قتلة اقتصاديون، وكانوا ناجحين لدرجة أنه في عام 1970 ارتفعت نسبة الفقر من 50%:70%، وكذلك البطالة من 15%:70% وزادت الديون العامة من 240 مليون دولار: 16 مليار دولار. وعليه، كانت العودة مرة أخرى ـ والمقصود هنا الكاتب ـ للحفاظ على إنجازاته هو وزملائه من القتلة الاقتصاديين بعد أن تهددت المكاسب الاقتصادية لشركات النفط في الإكوادور قانونيًا عن طريق دعاوى رفعت من سكان المناطق المتضررة بيئيًا من النفايات المسممة بالبترول والمعادن الثقيلة وبقايا الحيوانات النافقة في الأنهار.
وهنا يأتي دور”القتلة الاقتصاديين” لاستغلال الفرصة من خلال العمل على محور تنموي اجتماعي خداعي يعمل على تسكين مطالب المتضررين وعدم تصعيد الوضع القانوني والدعائي من خلال تقديم خدمات اجتماعية بسيطة لتحسين المعيشة كمنح قروض لتنمية البنية التحتية، وبناء محطات توليد الكهرباء، ومد طرق رئيسية، وإنشاء موانئ ومطارات ومناطق صناعية، وبالطبع تلك القروض مشروطة بأن تتولى هذه المشروعات شركات إنشائية وهندسية من بلادنا، جوهر الأمر ألا يخرج القدر الأكبر من تلك الأموال من الولايات المتحدة، ويحقق القاتل الاقتصادي أكبر نجاح عندما تكون القروض كبيرة لدرجة تضمن عجز الدولة عن السداد. وهنا يكون المقابل السيطرة على تصويت الدولة في الأمم المتحدة أو إنشاء قواعد عسكرية أو هيمنة على موارد الثروة.
2ـ إندونيسيا 1971:
حين وصل الجنرال “سوهارتو” إلى سدة الحكم اشتد عزم الولايات المتحدة لاستمالة إندونيسيا وإبعادها عن الكتلة الشيوعية، وبدأت شركة “مين” في تنفيذ مشروع كهرباء كجزء من خطة شاملة لتأكيد السيطرة الأمريكية في جنوب شرق آسيا، كما هدفت واشنطن لإحداث صدى إيجابي في أرجاء العالم الإسلامي وليس شرق آسيا فحسب، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك شخص بريء في الولايات المتحدة؟ يمكن القول بأنه على الرغم من أن أولئك المتربعين على قمة الهرم الاقتصادي يحصلون على معظم الأموال، فإن الملايين منا يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على استغلال شعوب البلاد النامية، فالموارد الطبيعية والعمالة الرخيصة التي تزود كل أنشطتنا التجارية تأتي من أماكن كإندونيسيا التي لا يجني أهلها منها إلا عائدًا محدودًا للغاية، وعليه فإن تلك القروض التي تمنحها المساعدات الأجنبية تضمن بقاء أطفال اليوم وأحفادهم رهينة لاحتياجات ومطالب أصحاب القروض.
3ـ بنما 1972:
حينما تم إرساله (الكاتب) لبنما لإنهاء مفاوضات أول خطة رئيسية شاملة للتنمية الحقيقية والتي ستفتح للبنك الدولي وبنك التنمية الأمريكي وهيئة المعونة الأمريكية مجالات لاستثمارات بمليارات الدولارات في قطاعات الطاقة ووسائل المواصلات والزراعة في هذا البلد الصغير شديد الأهمية، كان الأمر ينطوي على خدعة ووسيلة لجعل بنما مرة أخرى دمية في يد الولايات المتحدة عن طريق الديون، وخلال لقائه الجنرال “تروخيس” رئيس بنما أبدى الكاتب إعجابه به كثيرًا لأنه ـ على حد قوله ـ سعى لاستقلال بلاده ولم يكن شيوعيًا.
4ـ الخليج 1973:
مارس شاه إيران “محمد رضا بهلوي” دورًا في منظمة “أوبك” مما ساهم في ارتفاع أسعار النفط والأزمة التي مرت بها الدول الغربية، وتسبب في الكثير من الخسائر للكوربوقراطية التي كانت تسعى بدورها لعكس دوره، وهو تخفيض سعر النفط، وعليه فقط استحق مصير غريمه السابق.
وانتهى حظر بيع البترول في مارس عام 1974، وكانت فترة الحظر قصيرة وذات تأثير هائل، فقد ارتفع سعر بترول السعودية من 1.39 دولار/برميل:8.32 دولار/برميل في يناير 1974، ولم تنس الإدارة إطلاقًا الدروس المستفادة من بداية السبعينيات، وهو ما أحدث صدمة أدت لتقوية الكوربوقراطية على المدى البعيد، حيث اتحدت أعمدتها الثلاثة (الشركات الكبرى والبنوك الدولية والحكومة)، ذلك الاتحاد الذي قدر له الاستمرار، فقد أسفر الحظر عن مواقف وتغيرات سياسية شديدة الأهمية، إذ أيقنت كوربوقراطية “وول ستريت” أنه لا يمكن السماح بمثل ذلك الحظر مرة أخرى، وعليه صارت حماية مصادر إمدادنا بالبترول تمثل دومًا أولوية هاجسية، مما دفع واشنطن لإدراك الأهمية الاستراتيجية للدول النفطية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي ليتم استهلاكها، وفعليًا تم تحديد الهدف الذي هو سبيل استعادة الأموال المدفوعة في البترول والذي كان عن طريق استغلال واقع نقص في الهياكل الإدارية والتأسيسية التي تمكن حكومات الخليج العربي من إدارة ثروتها الكبيرة إدارة صحيحة، فقد بدأت واشنطن بعد نهاية الحظر مباشرة التفاوض مع السعوديين من خلال عرض مقايضة المساعدة التقنية والمعدات والتدريبات العسكرية.
وفي جزء آخر من الكتاب يستعرض المؤلف كيف تم تكليفه بإعداد دراسة مدى جدوى استثمارات البنية التحتية على المدى البعيد، أو بالأحرى كان الطلب هو تطبيق قدراته الإبداعية بأقصى ما يمكن لتبرير استنزاف مئات الملايين من الدولارات من اقتصاد السعودية، فالأمر كان يتعلق بجر السعودية لجعل اقتصادها يزداد في التشابك والخضوع لمصالح الولايات المتحدة، مما يزيد من تقليدها نفسها للأسلوب الغربي بما يضمن تبعيتها للنظام الجديد.
فشل قتلة الاقتصاد في العراق:
قررت إدارة “ريجان” و”بوش” (الأب) تحويل العراق إلى نسخة من مخطط السعودية، ولم يكن على “صدام حسين” إلا قبول الصفقات الاقتصادية، وكان يعي دون شك أن السعوديين يتمتعون أيضًا بمعاملة خاصة فيما يتعلق بالقانون الدولي، إذ غضت واشنطن الطرف عن تمويل الجماعات المتشددة، فضلاً عن إيواء المطاردين دوليًا. وقد تسامحت الولايات المتحدة مع ذلك النوع من التمويلات بل ودعمته ومنحته قروضًا، فتم الاستفادة منه من كل النواحي، حيث ححققنا الأرباح سلميًا وهو حليف، وحققنا أرباحًا أعظم عندما بدأت الحرب ضده بعد غزو الكويت.
صدام وتشافيز:
وصل “تشافيز” للسلطة في فنزويلا منتخبًا من قبل جماهير الكادحين، واتخذ خطوات الإصلاح وهاجم سياسات الإمبريالية الأمريكية، وعند اندلاع أحداث 11 سبتمبر أنقذ “صدام ـ تشافيز” حيث تغيرت الأولويات وتم غزو أفغانستان والعراق، ولم يتم توجيه الضربات المخططة في أمريكا اللاتينية والتي كانت على رأسها فنزويلا، وهو ما حدث في صورة انقلاب، ولكنه انهار، وعاد “تشافيز” للسلطة مرة أخرى، وتمكن من الاحتفاظ بالجيش في صفه، وبعدما انقشع غبار العاصفة أحكم “تشافيز” قبضة الحكومة على البلاد.
وأخيرًا يقول المؤلف.. بالنسبة لي كان الاعتراف جزءًا أساسيًا من نداء يقظة شخصي، ومثل كل الاعترافات تلك هي الخطوة الأولى نحو الخلاص، والآن جاء دورك أنت للإدلاء باعترافاتك الخاصة حين يتضح لك بجلاء من أنت وما سبب وجودك في الحياة في هذا الوقت من التاريخ، وما الهدف من أفعالك سواء التي تفخر بها أو غيرها، وإلى أين تنوي أن تمضي في الخطوة القادمة، حينها ستختبر في الحال شعورًا بالراحة، شعورًا مفعمًا بالسعادة والأمل عند انهيار اقتصاد دولة جديدة.
المصدر | مركز البديل للتخطيط والدراسات