علي سندة |
هل تعاني من القصف والدمار والقتل والأسر والتهجير منذ ثماني سنوات؟ هل تريد، عزيزي السوري، إنهاء مأساتك؟ إذًا ابقَ معنا مع (غير بيدرسون) وخلطته السحرية التي قدمها في إحاطته الأولى أمام أعضاء مجلس الأمن قبل يومين لحل المسألة السورية التي أعجزت مَن قبله وسط مسائل عالقة لا يحلها جد بيدرسون التاسع عشر.
بادئ الأمر استغرقت الخلطة ثمانية أسابيع بالتمام والكمال، على مبدأ (لا تستعجل كلما صبرت بتآكل أطيب) وهذا من حق السيد بيدرسون، فالملف شائك تعاقب عليه ثلاثة قبله على مدار ثماني سنوات، فاغفروا ذلك له حتى لو قُصفنا واستمر القتل على مرأى مجلسه الأممي! خاصة إذا عرفنا أن له من اسمه نصيب، فلو تمعنا جيدًا نجد أن اسمه وكنيته أيضا من اللغة العربية، فاسمه (غير) وبالتالي هو غير أسلافه، وكنيته على وزن الفعل المضارع لكن باللهجة العامية (بيدرسون) أي يدرسهم، وبالتالي الرجل فهمان وقدم خطته عن علم، حيث كانت على مبدأ (كأنك يا أبو زيد ما غزيت) لأنها تركزت بمُجملها على إعادة تفعيل الحل عن طريق القرار الأممي 2254 والمبادئ 12 والسلال الأربعة، وبالتالي لم يأتِ بجديد ليس ضعفًا منه، لا قدر الله، إنما لأنه رجل ليس صِفريًا كما قال، وفي الحقيقة المشكلة لا تكمن بمصادر خطته التي تعد مطلب السوريين لإنهاء الحرب، إنما في عدم وجود جدول زمني يوضحها واستمرار التدحرج الذي يزيد من الخسائر يومًا بعد يوم.
حقيقة لا استغراب من عدم وجود مدة زمنية، فالزمن (على التيسير والله بفرجها) وديمستورا بقي أربع سنوات وهو يحذر ويشارك الأمين العام القلق الدائم حيال ما يجري في سورية، فالسلال الأربعة على سبيل المثال التي هي من مرتكزات خطة بيدرسون، والتي وُلدت في جولة جنيف 4 في فبراير/شباط 2017 تأمَّل ديمستورا وقتها إنهاء سلة اللجنة الدستورية خلال ستة أشهر، وقد مضى سنتان ولم تُنجز! لكن الرجل وقتها لم يحدد في أي سنة، إذًا لا عتب عليه! وكذا باقي السلال وتغييب مسار جنيف إلى أستانة حتى بقي لنا الشمال السوري فقط!
السيد بيدرسون كونه يحب الدراسة يعِي تعقيد المسائل العالقة التي ماتزال الحرب السورية الجيوسياسية دائرة لأجلها، وبشكل أوضح يعرف أن الحل ليس بيده إنما بما سيُملى على مؤسسته الأممية حال انتهاء الجولات بين المُتنافسين لكسب الشرعية، وبالتالي خطته مفتوحة بحسب مقتضيات الصراع والنتائج، فمسألة إنهاء تنظيم داعش الذي شارف على النهاية وارتباطه بالانسحاب الأمريكي الذي يُعد لُغزًا بماهيته، وعته تُركيا وأدركت كُنهه من خلال تمسك أمريكا بقسد، وهنا تتولد المسألة الثانية وهي المنطقة الآمنة التي عادت للظهور بعد اصطدام تركي أمريكي حول مصير قسد ذراع أمريكا في المنطقة وتلويح تركيا بعمل عسكري ضدهم كونهم يشكلون خطرًا عليها، إلا أن أمريكا سُرعان ما هددت بحرب اقتصادية على تركيا فيما لو قامت به، ليبقى الخلاف دائرًا مَن سيحمي مَن وسط غياب للتفاصيل، فضلاً عن مسـألة ثالثة وهي مصير شرق الفرات المُستقبلي الغني بالثروات.
إن تلك المسائل العالقة خارجة عن سيطرة السوريين أنفسهم، والأمم المتحدة هي الآلة الكاتبة التي تكتب نهاية الصراع بالنتائج التي يتوصل إليها اللاعبون، وخطة بيدرسون للمرحلة القادمة لم تخرج من عباءة سلفه سوى بإعادة صياغة وترتيب واستنتاجات تُفسر الماء بعد الجهد بالماء، وإلى حين إنهاء تلك المسائل العالقة سنعرف جميعًا الوقت لإنهاء مأساة سورية بالشكل الذي ارتضوه لنا.