بقلم رئيس التحريرمن أجل ماذا يصارع الحق الباطل ويصارع الباطل الحق؟ أمن أجل المساحات الجغرافية والمصالح الاقتصادية فقط يكون القتال أم أن ثمَّ محركًا آخر للحرب بين الطرفين؟ إن هذا السؤال يدفعنا إلى الاعتقاد أن كلا من أصحاب الحق والباطل يحمل مجموعة من القيم والمبادئ التي من أجلها تشعل الحروب وتؤجج الصراعات، وأن كلا منهما يسعى إلى سيادة القيم التي يؤمن بها ويحاول نشرها بين الناس، ولذلك نستطيع أن نقرر حقيقة وهي أن أساس النصر الأول الذي تهدف إليه الجماعة التي تقاتل عن وعي هو سيادة تلك المبادئ والأفكار، وهذا مكسب كبير قد يغيب عن أولئك الذين يقاتلون من أجل كيلومترات وحسابات جغرافية، فتراهم يحملون أدوات القياس ويقيسون بها حجم الأراضي التي سيطروا عليها، ولئن سألتهم عن الناس والأفكار والقيم ليقولن إن أردنا إلا السيطرة على الحجر، وقد تركنا البشر على ما كانوا عليه من قبل!إن الامتداد الفكري الذي يحققه أهل الإيمان يعد نصرًا كبيرًا باعتباره عامل التغيير الذي سيعيد الناس إلى جادة الصواب، وسيفضح الباطل ويعريه أمام أتباعه ليزعزع العلاقة بين الطرفين إلى حد التخلي والكفر به. فانتشار المبادئ محرك جديد للدعوة وتهيئة لاستقبال طاقات بشرية جديدة، وتأسيس لأرضية متينة، وقاعدة شعبية داعمة.وهذا المفهوم للنصر خفي على الناس، مغاير لما استقر في أذهانهم، ذلك أن آثاره تحتاج إلى وقت طويل لتظهر وتؤتي ثمارها، والعموم بطبعهم مأخوذون بالصور الحسية القريبة إلى متناولهم، ولا يقيسون النصر إلا بالمساحات الجغرافية، وقد ثبت أن مجرد الاستيلاء على الأرض والتمدد في المكان لا يفيد شيئا إن لم يصحبه تغيير في الثوابت التي كانت تحكم المجتمع وتسيره، فإن مجرد التغيير الصوري الشكلي كما حدث في بعض البلدان العربية لا يأتي إلا بالمزيد من المشكلات، فقد ظلت منظومة القيم والقوانين القديمة الفاسدة هي الحاكمة ولها السيادة وهي المرجعية ولها القرار، فعادت الأنظمة المستبدة الخائنة العميلة بوجوه جديدة عليها بعض مساحيق التجميل والدهان الأبيض الذي يحاول إخفاء السواد.ولم يخف على أعداء الأمة أهمية ترسيخ القيم والمبادئ والأفكار التي تقف في وجه شرورهم وهيمنتهم وظلمهم، فعملوا على مواجهتها والوقوف في وجهها عن طريق تبديل القيم أو حرف الأفكار عن مسارها الصحيح وتشويهها من خلال أشياخ وقفوا مستجدين على عتبات السلاطين وباعوا دينهم بأبخس الأثمان، ومن خلال استخدام القوة والعنف والمواجهة العسكرية للحد من انتشار قيم الحق والعدالة.وبفضل الله وعت الثورة السورية المباركة هذه الحقيقة فبدأت بتغيير الأسس التي حاول النظام البعثي أن يبرمج السوريين عليها، لتعيد إلى الشعب السوري أصالته ومجده وحريته.