حمزة عبد الله |
لعله أحد أغرب الأطباق في العالم بالقياس إلى طريقة تحضيره الفريدة من نوعها، فهذا الطبق يُؤكل داخل الحجارة، ويُعد من أكثر الأطباق شعبية في كفرنبل منذ عقود طويلة.
هذه الأكلة الشعبية الفلاحية من أشهى الوجبات البسيطة التي يتم تحضيرها في الحقل، وتعتمد على الباذنجان المشوي الذي يتم دقه وهرسه على حجر مسطح ويخلط مع الشطة الحارة إلى جانب البصل والطماطم، ثم يُضاف زيت الزيتون إلى الخليط، ويُقدم الطبق على ذات الحجر المسطح مع خبز الصاج الساخن ليكون طبقًا رئيسًا.
وعن هذه الوجبة يقول الحاج (عبد الرحمن العمور) لصحيفة حبر:” (الجرنة) هي أكلة عمرها أكثر من مئتي عام في منطقتنا، وتم تناقلها جيلاً بعد جيل لتصل حتى يومنا هذا، وهي لذيذة وسهلة التحضير ولا تحتاج الكثير من المواد، ومكوناتها كالتالي: نحضر الباذنجان ونقوم بشوائه، ثم تكون (الجرنة) جاهزة وهي حجرة تزن قرابة 15 كيلو تقريبًا، تكون مسطحة من الأسفل ومجورة قليلاً من الأعلى”.
هذا الطبق يُشبه المتبل أو الباطرش الحموي من حيث استخدام الباذنجان، وهي من تراث تلك المنطقة في سورية، وهي تعتمد على البساطة في أوضح أشكالها الأمر الذي قد لا يقبله البعض في أيامنا هذه حيث كل شيء معلب ومغلف.
وعن طريقة إعداد الجرنة أضاف (العمور): “تبدأ أم عامر بتقطيع البصل والبندورة والفلفل الحار، أكون وقتها قد انتهيت من شوي الباذنجان، ومن ثم نضيف القليل من الملح، بعد أن ندقها جيدًا نضع الباذنجان وندقه قليلاً، ونجتمع أنا وعائلتي ويكون وعاء زيت الزيتون بجانبي، حيث نضع بعضًا منه عليها ونُبقي الوعاء إذا أراد أحد أن يغمس لقمته فيه، هذا هو طبق الجرنة كما تعلمته من أبي”.
وتمنى (أبو عامر) أن تنتقل هذه الوجبة الشعبية إلى باقي المحافظات السورية باسم مدينة كفرنبل، فهي لم تنتشر إلا في بعض المناطق المجاورة من مدينة إدلب وبعض مناطق ريف حماة.
وعن صناعة الجرنة يقول (محمود الشاهين) أحد الأشخاص الذين يصنعون حجرة الجرنة:” أذهب كل يوم إلى الأراضي الزراعية المجاورة لمدينتي كفرنبل، وأقوم بانتقاء الصخور السوداء الكبيرة والقاسية، وأقوم بتفريغها من الرمال، وأذهب بها إلى مكان تقطيع الحجارة، وأقوم بتقطيعها إلى عدة أقسام، ثم أنحتها حسب الطلب عليها من قبل الأهالي”.
ويضيف “الشاهين” بأنه تعلم هذه الصنعة لوحده، فهي تعتبر بنظره فنًّا لأنه يقوم بنحت هذه الأحجار ليصنع منها الجرنة التي انتشرت بكثرة في المدينة بأشكال وأحجام مختلفة، وفي الفترة الأخيرة بدأ بإضافة أشكال هندسية إليها بعد ازدياد الطلب عليها.
ويكاد لا يخلو منزل في مدينة كفرنبل من حجرة الجرنة التي يصنع بداخلها طبق الجرنة، فمعظم المنازل القديمة في المدينة يوجد فيها هذه الحجرة، وخصوصًا منازل الأجداد وكبار السن.
اليوم وقد بدأت مدينة كفرنبل بالتطور وزيادة كبيرة في عدد الأسواق، حيث هناك الكثير من محلات الوجبات السريعة التي تجتذب الشباب والعائلات لها وقليل ما تحضر الجرنة، ولكنها مازالت موجودة وتحضر في المنازل، ونأمل ألا تُنسى وتبقى حاضرة في موائد مدينة كفرنبل وتبقى محفورة في أذهان متذوقيها.