يوسف تركي |
الضياع هو الواقع الأعمق لما يسود مجتمعاتنا هذه الأيَّام بخصوص الأمور العاطفيَّة.
نعم، فهناك ضبابيَّة تلفُّ العواطفَ لدى كلٍّ من الأنثى والذكر ينبغي المسارعة في كشطِها علَّ العقل يُبصر الحقائق.
ماهية الجمال مصدرٌ لا يستهان به لتلك الضبابيَّة، بها تتقلَّب أمزجة الذكور وبإرضائها تحتار الإناث. فما الجمال؟
من قال إنَّ الجمال جمال الروح ما أصاب إلَّا كبد الحقيقة، وليسَ للرموش إلَّا أن تهتزَّ موافقةً على رأيه. غيرَ أنَّه إن أراد أن يتفصحنَ فيسحَبَها على علاقة الذكر بالأنثى وقعَ ضحيَّة السذاجة.
إذا ما تكلَّمنا عن الآخرة وأحوالها، أو عن علاقة الإنسان بنفسه أو صحبته لأقرانه؛ فلا ريبَ أنَّ جمال الروح هو الجمال، وهو الخالدُ وحدَه دون الجسد.
غير أن الذكر في طبيعة الأحوال لا ينظر للأنثى بتلك العين، لأنَّ طبيعةَ علاقتهما لا يمكن استقراؤها عبر العمق الروحيّ.
جسد الذكر هو من يتلقَّى جمالُها لا روحُه، فكيفَ للذكر أن يحبَّ إن لم يجلِ نظره في الأنثى، أو يصغي سمعه لعذوبة صوتها؟
فالذكر إنْ رأى الجمال في الأنثى وقع في حبِّها ابتداءً، ثمَّ حكَّم عقلَه. فإن أوصاه بها عقله أكمل، وإلَّا امتنع.
غيرَ أنَّه من شابٍّ لآخرَ يختلف تذوُّق الجمال، فلكلٍّ معيار يستقلُّ به عن غيره. ولو لم يكن ذلك لأحبَّ كلُّ الرجال امرأةً واحدة.
فلذلك ينبغي أنْ تعرفَ الأنثى أنَّ جمالَها الذي تعتني به سيستقرئه ذلك الشابُّ الذي كُتِبَ له، فلا تتعجَّل آتٍ، ولا تزهد في كنزٍ يغفل عنه العميان.
على أنَّ قولَ بعض الشبَّان إرادتَهم عقلَ الفتاة قبلَ شكلها ليسَ بكذب، فذلك لسان عقولهم. غيرَ أنَّ لسان القلب أعظم بلاغةً، وأجلُّ فصاحةً إذا نطق. ولذا فإذا وُجِد الجمال قُدِّمَ على غيره ليسيسَ.
لكن بالطبع ذلك لا يجعل الأمر لعبةً بيد الذكر، كلَّما مرَّت من أمام ناظريْه فتاة استحسنتها عاطفته دقَّ قلبه دقةً ليستْ كالدقَّات. هذا ليس بشيءٍ إنسانيٍّ البتَّة؛ فما الضابط؟
ذكرنا سابقاً أنَّ روحَ الذكر لن ترصدَ جمال الأنثى كما تحلُم الروايات. لكنَّ ما لم نذكره هو أنَّ دور الروح يبدأُ وقت أن يتمَّ إيجاد ذلك الجمال. فتأتي الروح لتضخّمَه في جوف الذكر، بل لتصبُغَه بالاستثنائيَّة فلا يرى الذكر الجمال إلَّا في تلك الأنثى. وفي ذلك يحفظ الإنسان نفسَه من تسلية الأهواء.
الفتاة تتثقَّف لنفسها، وتعتني بأنوثتها لنفسها أيضاً، فلا تظنَّنَّ يوماً أنَّ جمالَها يكفيها دون حصيلةٍ معرفيَّة. ولا تظنَّنَّ فتاة أنَّ إهمالها لجمالها مع تحصيلها للمعرفة يكفيها. بل بالاثنين تكون الأنثى.
إن جمالك أيتها الأنثى يمكن في أن تكوني أنتِ جميلةً كما أنتِ دون مبالغات، فلا حاجةِ لكِ في طلاءاتِ مساحيق التبرُّج التي ترعب الناظر.
الثقافة والاعتناء بالذات هما سبيلك لإظهار أنوثتك فاستمسكي بهما بوسطيَّة.