باسل عبود |
لا شك أن الموقع الجغرافي المميز لسورية كونها صلة الوصل بين قارات العالم القديم (آسيا، إفريقيا، أوروبا) كان سببا رئيسًا في الصراع الدولي عليها عبر العصور، وهذا ما يحدث على الأرض منذ أن بدأ الصراع سنة 2011، فطال أمد الحرب والقى بظلاله على مصالح الدول الإقليمية خاصة، ليمتد إلى ثماني سنوات حتى الآن ولا نعلم متى ينتهي.
لكن مع إدراك أطراف الصراع استحالة الحسم العسكري على الأرض، عاد الموقع الجغرافي ليكون عاملاً مُسرعًا في تحقيق السلم وتهدئة الأوضاع هذه المرة، فمنذ انعقاد مؤتمر أستانة الأول وإنشاء مناطق خفض التصعيد كان الحديث دائمًا يدور حول فتح الطرقات الدولية وإعادة تفعيل المعابر الدولية لتنشيط التجارة عبر الحدود مجددًا، لكن تعدد الأطراف المُسيطرة على الأرض وتشابك المصالح عقَّد الحل بصورة توافقية بعد استحالة الحل العسكري.
فيما سبق كان هناك العديد من العقبات التي تحول دون تنفيذ إجراءات فتح الطرق الدولية، منها على سبيل المثال رفض الأردن فتح معبر نصيب مع سورية أثناء سيطرة قوات المعارضة، إذ أصرت الحكومة الأردنية على إغلاقه، حتى تم فتحه بعد سيطرة قوات النظام على محافظة درعا.
أما الوضع العسكري المعقد في شمال البلاد انعكس بتعقيده على تعطل مصالح الجميع دون استثناء، حيث كانت الفصائل مُتعددة في المنطقة الواحدة دون وجود طرف مُشرف على الطرقات الدولية، إلا أن هذا الأمر حاليًا تم تجاوزه بنسبة كبيرة في ظل وجود النقاط التركية التي من المفترض أن تكون المشرف على الطرقات في مناطق المعارضة حسب اتفاق سوتشي بين أنقرة وموسكو.
إن الوضع الاقتصادي اليوم يضغط بشدة على كل الأطراف، فالنظام السوري ومن خلفه إيران وروسيا في حالة مزرية بفعل العقوبات الغربية، وقيمة عملة الدول الثلاث في تدهور مستمر، أما الاقتصاد التركي فإنه ليس بأفضل حال، وأنقرة تجد في عودة فتح الطرقات متنفسًا جديدًا لصادراتها نحو دول الخليج، فالصادرات لتلك الدول شبه متوقفة منذ بداية الثورة السورية، وكذلك الأردن حيث الاحتجاجات المطالبة بتحسين الوضع المعيشي مازالت تقض مضجع المملكة بين الحين والآخر، وأما الأهم فالمناطق المحررة باتت بحاجة إلى موارد اقتصادية جديدة، وإلغاء الاعتماد الكلي على اقتصاد الحرب(المعارك) فالدعم الخارجي شبه المتوقف في الفترة الأخيرة.
لقد بات واضحًا أن موجة القصف الأخيرة التي استهدفت المدن والبلدات الواقعة على أوتوستراد حلب _دمشق بشكل رئيس كان الهدف منها الضغط للإسراع في عملية فتح الطرقات في ظل حديث يدور حول خلاف على طريق حلب _غازي عنتاب، حيث إن مليشيات إيران مازالت ترفض الانسحاب من نبل والزهراء، فإيران تحاول تخريب الاتفاق بأي شكل لكي تحصل على مكاسب اقتصادية لها كيلا تخرج من المنطقة كالخارج (من المولد بلا حمص) بعد كل ما قدمته، ومن جهة أخرى هي غير راضية بالمطلق عن التقارب بين أنقرة وموسكو.
فهل يتوصل الجميع إلى حلول مُرضية لإعادة فتح الطرق وتدوير عجلة الاقتصاد من جديد مع الحفاظ على الوجود المصلحي للأطراف؟ أم ثمة أوراق ضغط أخرى لدى الجميع ولمَّا تظهر بعدُ لخوض جولات تصفية جديدة؟!