سلوى عبد الرحمن |
(سرداب الموت) عنوان لمسرحية تحكي عن معاناة المعتقلين في أقبية النظام السوري، عُرضت للمرة الأولى على خشبة المسرح الثقافي في مدينة إدلب، صُورِّ فيها نزع إنسانية الإنسان وكرامته بالسلطة القمعية، فلا طعام يناسب المعتقلين ولا لباس يكسيهم، ولا طبيب يداوي جراحهم، ولا منقذ لهم من مصير محتوم.
المسرحية لفرقة (بيدق للفنون المسرحية) تأسست عام 2017 بهدف النهوض بالواقع الثقافي ككل، والمسرحي على وجه الخصوص في مدينة إدلب كتب سيناريو المسرحية (مصطفى الشيخ) وأخرجها (إبراهيم سرميني).
استخدم المخرج في المسرحية 8 ممثلين بأدوار مختلفة، تدور أحداثها في أحد المعتقلات، تشابه المعتقلون فيها بالألم والبؤس والعذاب وحتى بالأحلام والذكريات والمصير، أما السجانون فتشابهوا بالعنف والقسوة واللباس العسكري.
وظَّف المُخرج تقنيات فنية خلال العرض، كالمؤثرات الضوئية والصوتية والموسيقية والكراسي والحبال بشكل جيد، التي بدورها حركت مشاعر الحضور، وأضفت واقعية على الجو المسرحي لأنها تحاكي واقعهم، لدرجة أن بعض الجمهور عاشوا للحظات مع المعتقلين في ذاك السرداب وبكوا بصمت، كما تخلل المسرحية مقاطع أناشيد للمُعتقل وأمه.
سرداب الموت، معتقل يشبه المَدفن، لكنه قصة حقيقية رصدت مختصرًا لمعاناة 127ألف معتقل من السوريين الأبرياء ما يزالون في سجون النظام السوري منذ 8 سنوات، لا يحصل فيه المعتقلون على أبسط حقوقهم، فلا مواثيق ولا عهود دولية تحميهم.
اعتقال لمتظاهرين سلميين
ركزت المسرحية في المشاهد الأولى على ذكريات بداية الثورة السورية، كقمع قوات الأمن للمتظاهرين السلميين عند أول صرخة للحرية، ونهبت بيوتهم وقتلتهم.
في أحد المشاهد الأولية تعالت أصوات المتظاهرين، لتنتهي بصوت إنذار لصوت الموت القادم من السماء (الطيران)، وهذا ما أعطى مصداقية وأهمية للعمل، فخروج غالبية الشعب مناديًا بإسقاط نظام قمعي كان ضربة موجعة له، سعى لمواجهتها بكافة أنواع الأسلحة بما فيها الطيران.
مناجاة جدران
في لوحة أخرى من المسرحية، عكس أحد الممثلين حاجة المعتقلين للحرية والطعام والشراب، لكن لا شي سوى “الخبز العفن واليابس”، هنا حاول المخرج تصوير خلاف معتقلَين بشأن معتقل ثالث على مسألة مواجهته للموت الذي ينتظره بعد قليل مستيقظًا أم نائمًا، واعتقد أنه فيه إشارة للاختلاف المستمر بين السوريين، لينتقل بعد ذلك المعتقلون الثلاثة لاسترجاع ذكريات طفولتهم مع معلميهم، أظهروا خلالها عشقهم للحرية منذ نعومة أظفارهم، ثم ناشد أحد الممثلين الجدران بصوت مرتفع بأن تشاركه معاناته فهي من تسمع صوت عذاباته وأنينه، لكن صوت صراخ المعتقل أزعج السجان الذي حذر بمزيد من التعذيب إن لم يتوقف.
في حوار المعتقل مع الجدار يتخيل أنه يناجي ابنه، وهي محاولة ناجحة من المخرج أكدت بأن المعتقل إنسان لديه أهل وزوجة وأولاد يشتاق إليهم، “أسمع همس صوتك وأنت تنادي، أبي أنت لم تمت.. أنت حي.. لم تمت كما أخبروني” فيجيبه: “بني حبيبي أنا هنا حي، لكني بين أربعة جدران تضغط على صدري”.
نهاية مؤلمة
اختتم المخرج المسرحية بنهاية مؤلمة وهي الإعدام وجملة أكد عليها بالتكرار “لا شيء سوى الظلم” ليَظهر بعدها مُنشد الثورة (موفق النجار) المعروف بــ (أبو عماد) من درعا كان الأول في المظاهرات السلمية، أنشد (أبوعماد) بلسان المعتقلين، مناشدًا السجان وعتم الزنزانة وأمه بألا تحزن وتزغرد على فقده، فالموت يطيب ويهون في سبيل كرامتها وحريتها.
رغم حداثة إنشاء الفرقة، وإعادة تفعيل المسرح الثوري في المركز الثقافي، تمكنت مسرحية “سرداب الموت” من إيصال رسائل واضحة إلى مشاهديها في العالم مفادها: “لا مصير سوى الموت الذي ينتظر 127 ألف معتقل في سراديب الموت إن لم تنقذوا البقية.”
بعد نهاية المسرحية، علق القائمون عليها رسائل كتبها الجمهور لمعتقلين، بأرجل حمام وأطلقوها لعلها تصل إلى من بقي حيًا منهم، هنا توظيف المخرج للحمام رمزية ناجحة على حب الشعب السوري للسلام، ورسائل لأجل أولئك الذين اشتاقوا إلى نور الشمس ورائحة الأرض والأهل لأجل من يعشق الحرية.