نشرت صحيفة “هآرتس” تقريرا تحدّثت فيه عن قنوات سرية بين دمشق وإسرائيل مهّدت الطريق للمطالبة الإسرائيلية بالجولان، ساردة تفاصيل تاريخية.
وقالت إن حكومات إسرائيلية عدة عقدت محادثات سريّة عبر وسطاء مع دمشق على مدار ٢٠ عاما، وركزت على صياغة “اتفاقية سلام”، ولفتت إلى أن الجولة الأخيرة من المفاوضات انتهت في آذار ٢٠١١، بعدما ألقت الحرب بظلالها على سورية، وبعد ذلك تغيّر الموقف الإسرائيلي بشكل تدريجي، وتمثّل بإنهاء “الخيار السوري” وأرادت إسرائيل الاعتراف بـ”سيادتها”، وقد انتقلت الفكرة من الدوائر الإسرائيلية اليمينية إلى مجلس الشيوخ الأميركية، كما أصبح الاعتراف بالجولان “ورقة رابحة” في الانتخابات.
وقد تحدّثت “هآرتس” في الأشهر الماضية مع عدد من الأشخاص الذين انخرطوا في المفاوضات لتوضيح مدى الجدية، ووفقا لهؤلاء فقد كانت النقاشات جادة ومتقدمة مع بشار الأسد، حتى في ظلّ حكومة نتنياهو، وتضمنت خرائط وسيناريوهات محوسبة شملت الانسحاب من الجولان على أساس ما قبل عام ١٩٦٧.
ويعتقد معظمهم أن الاعتراف الأميركي من جانب واحد الآن بالجولان، لن يفيد إسرائيل كثيرًا، وفقا للصحيفة التي أضافت أن نتنياهو أبلغ الروس مؤخرا أن إسرائيل ستعود إلى اتفاقات الانفصال.
وذكرت أن في عام ١٩٨١ صدقت إسرائيل على قانون ضم الجولان، ولم تبدأ محادثات جادة مع سورية إلا خلال فترة ولاية اسحق رابين عام ١٩٩٢، إذ زار وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر دمشق، ثمّ جاء إلى رابين وأخبره أن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان مستعدًا للسلام “مثل السادات”.
وفي هذا الصدد، قال البروفيسور إيتامار رابينوفيتش الذي كان يرأس الوفد الإسرائيلي لإجراء المحادثات مع سورية خلال ولاية رابين، وكان سفيرًا سابقًا في واشنطن: “جرت المحادثات في الطابق السادس من وزارة الخارجية الأميركية من الساعة ٩ صباحا حتى ١٢ ظهراً”، وأضاف: “انتظر الصحافيون عندما دخلنا وعندما خرجنا، وكانت آلات التسجيل على الطاولة، وكان من الواضح أن هذه ليست الطريقة لإجراء المفاوضات. ثمّ حققنا تقدما من أيلول ١٩٩٢ إلى آب ١٩٩٣، ثمّ كنا نلتقي كل شهر تقريبا”.
وفقًا لرابينوفيتش، لم يعجب رابين بفكرة الابتعاد عن الجولان ولكنه كان يفضّل المسار السوري على المسار الفلسطيني، كما أنّه كان يعتقد أنّ الأسد الأب أكثر جدية من عرفات.
وبحسب الصحيفة، فقد كان اقتراح رابين يتمثّل بالإنسحاب الكامل من الجولان إلى خطوط ما قبل عام ١٩٦٧ في غضون خمس سنوات، في مقابل التطبيع الكامل وإجراء الترتيبات الأمنية، وقد قدّم رابين هذا الاقتراح إلى وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر، وطلب منه أن يبقي الاقتراح في جيبه كورقة للعب في المحادثات فقط، إذا قدم الجانب الآخر التزاما. كما جرت مفاوضات عندما كان شيمون بيريز رئيسا للوزراء لكنها لم تكن مثمرة.
وأوضحت أنّه عندما بدأ نتنياهو ولايته الأولى كرئيس للوزراء، سعى الأميركيون إلى توضيح أنّ ما اتُفق عليه مع رابين لم يعد مُلزما، وفي عام ١٩٩٨، بدأ نتنياهو جولة جديدة من المحادثات السرية عن طريق شريكه المقرب، رجل الأعمال الأميركي رون لاودر. ووفقا لمصادر مطلعة على المناقشات فقد دارت حول استعداد إسرائيل للموافقة على انسحاب على أساس ما قبل عام ١٩٦٧.
وبعد مفاوضات مع الأسد الأب في دمشق، قال الأخير للاودر “إما أن تعود مع خارطة أو لا تعود أبدا”، وتقول المصادر إنّ مطلب إسرائيل كان الحفاظ على وجود لها في جبل الشيخ، وعندها قال السوريون إن هذا “خط تجسس”.
وبدأت الجولة الأخيرة من المحادثات بوساطة أميركية بين نتنياهو وبشار الأسد في أيلول ٢٠١٠. ومن بين أعضاء الحكومة، كان وزير الدفاع فقط إيهود باراك في السر، وتمّ إجراء المحادثات عن طريق المبعوثين الأميركيين فريد هوف ودينيس روس.
وأضافت المصادر أنّ نتنياهو كان مستعدا لمناقشة الطلب السوري بانسحاب كامل إلى خطوط ما قبل عام ١٩٦٧، لكنه هذه المرة اشترط فك ارتباط سورية بالكامل عن إيران وحزب الله عبر إجراء ترتيبات أمنية جديدة.
وعملت الفرق المفاوضة على صياغة بيان يتضمّن المبادئ وتم استبدال المسودات الأميركية، لكنّ المفاوضات انتهت بالكامل في آذار ٢٠١١ عندما بدأت شرارة الحرب السورية، وتقدر مصادر “هآرتس” أنه لولا اندلاع الحرب، فإن الأمر كان سيستغرق نصف عام فقط حتى يتوصل الجانبان إلى اتفاق.