أيمن العتوم |
هَذا هُوَ الموتُ مثلَ الصُّبحِ يَندَفِقُ
فَعانِقُوا الموتَ يَبْزُغْ بَعْدَهُ الفَلَقُ
هَذا هُوَ الموتُ في الطُّرْقاتِ مُخْتَبِئًا
مُفاجِئًا مِنْ شُقوقِ الأَرْضِ يَنْبَثِقُ
يُطالِعُ الأَوْجُهَ الغَرَّاءَ مُنتَقِيًا
مَنْ وَاجَهُوا … تَارِكًا لِلْعَيْشِ مَنْ فَرَقُوا
يَأْتِيْهِ طِفْلٌ تَحَدَّاهُ فَيَحْدِجُهُ
فَيَنْثَنِي خَجَلاً عَنْهُ وَيَنْطَلِقُ
يَصِيحُ بِالموتِ: مَنْ فِينا الجبانُ تُرى؟!
فَيَرْجِعُ الموتُ وَهْوَ الحادِبُ الشَّفِقُ
يُعانِقُ الطِّفْلَ … يُلْقِي في مَسامِعِهِ:
لا تَخْشَ؛ إِنّ جِنَانَ الخُلْدِ تَأْتلِقُ
هُناكَ لا وَصَبٌ فِيها ولا نَصَبٌ
ولا جِرَاحٌ ولا حُزْنٌ ولا رَهَقُ
*************
يا غَزَّةَ العِزِّ لا سَيفٌ فَنَحْمِلُهُ
عَلى الطّغاةِ، ولا سَاحٌ فَنَنْطَلِقُ
لَكِنّنا مِنْ أَسًى في القَلْبِ يَطْعَنُنَا
تَكادُ تَخْرُجُ مِنْ أَحداقِهَا الحَدَقُ
ساداتُنا بَيَّعُونا في نِخاسَتِهِمْ
وَسَلَّمُونا، فَيا رَبِّي بِمَنْ نَثِقُ؟!
يَا أمّتي ألفُ آهٍ تَسْتَبِي دَمَنَا
تَكادُ مِنْها عُروقُ الصَّبْرِ تَخْتَنِقُ
إِذا اتَّفَقْنا على إِلْفٍ تَبادَرَنا
حُكّامَنا فَرَّقُوا الصَّفَّيْنِ وَافْتَرَقُوا
يا أمّتي ليسَ لِلسُّلطانِ سَطْوَتُهُ
فَأنتِ مَلَّكْتِ مَنْ ذَلّتْ لَهُمْ عُنُقُ
ثُورِي عَلَيْكِ وَفُكّي القَيْدَ وَانْطَلِقي
إِذا انْعَتَقْتِ فَإِنَّ الرُّوحَ تَنْعَتِقُ
أَتَحْسَبِيْنَ حَياةَ الذُّلِّ خالِدةً
إِنّا لَفَانُونَ وَالمُسْتَشْهَدونَ بَقُوا
وَالنّاسُ صِنفانِ: عُشّاقِ الحياةِ وَهُمْ
مَوْتى، وَلَلْخالِدُونَ الموتَ قَدْ عَشِقُوا
شَتّانَ بَيْنَ مَماتٍ في الفِراشِ، وَمَنْ
يَمُوتُ فَوقَ جِيادِ الخَيلِ تَسْتَبِقُ
************
يَا غَزّةَ العِزِّ هلْ ماتتْ عُروبَتُنا ؟!
وَزُيِّفَتْ بَعدَكِ الأَسْماءُ وَالطُّرُقُ !!
هَلْ (أَحْمَدٌ) وَ (سُليمانٌ) يُحاصِرُنَا
الأَنبِياءُ – وَحاشَا اللهُ – مَا ارْتَزَقُوا
لا هُنْتِ غَزَّتَنا يا رَمْزَ عِزَّتِنا
يا سَيْفَنا حِيْنَ سَيْفُ النّصرِ يُمتَشَقُ
يا دُرَّةَ البحرِ يا أمواجَ ثَوْرَتِهِ
كُلُّ الطّواغيتِ في أَعْماقِهِ غَرِقُوا
مَصِيْرُ (شَارُونَ) أَو (رَابِيْنَ) مُنْتَظَرٌ
فَأينَ مَنْ فَرْعَنُوا فِينا وَمنْ فَسَقُوا ؟!!
ها هُمْ جَهَنَّمُ قَبْلَ الحَشْرِ تَحْرِقُهُمْ
وَعِنْدَ رَبِّكَ أُخرَى ما لَها نَسَقُ
نَزّاعَةٌ لِلشَّوَى تَدْعُو لِمُدْبِرِها
أَلاّ مَفَرَّ ولا مَنْجَى وَمُرْتَفَقُ
*************
يَا أَهْلَ غَزّةَ صَبْرًا إِنّ مَوْعِدَكُمْ
جِنانُ خُلْدٍ لَكُمْ تَهْفُو وَتَعْتَنِقُ
مَا دَمَّرُوا … مَا عَلَى أَجْسادِنا هَدَمُوا
ما قَتَّلُوا … حَرَّقُوا … ما عَظْمَنَا سَحَقُوا
فَلَنْ نَهُونَ وَلَنْ نَرْضَى بِذِلَّتِهِمْ
ما دامَ يَشْهَقُ في أَرْواحِنَا رَمَقُ
يا غَزّةَ العِزّ قدْ فاضَتْ مَواجِعُكُمْ
فَالموتُ يَسْكُنُكُمْ وَالبُؤْسُ وَالحُرَقُ
ها طِفْلةٌ قُطِّعتْ أَوصالُها إِرَبًا
وَتِلْكَ عَائِلةٌ بِالقَصْفِ تَنْصَعِقُ
وَذاكَ شَيْخٌ على قُرآنِهِ عَكِفٌ
تَلَقَّفَتْهُ المنايا وَالمدَى حَنَقُ
فَقُلْ لِكُلِّ زَعِيمٍ: أَيْنَ نَخْوَتُكُمْ؟!
أَمْ أنّكمْ رِمَمٌ بِالعارِ تَصْطَفِقُ
تَروْنَنا يَسْتَبِيْحُ الغَدْرُ حُرْمَتَنَا
تَروْننا تَحْتَ نارِ القَصْفِ نَحْتَرِقُ
نَسْتَصْرِِخُ الدّمَ فِيْكُمْ … أَمْ تُرى دَمُنا
قد صارَ ماءً، فلا دِيْنٌ ولا خُلُقُ ؟!
وَنَعْرِفُ الوجهَ والأَسْماءَ مِنْ عَرَبٍ
أمّا القُلوبُ فَأَمْرِيكيّةٌ حُمُقُ
*************
يا أَهْلَ غَزّةَ هذا عُرْسُ نَصْرِكُمُ
وَالمُصطَفَوْنَ إِلى الجَنّاتِ قَدْ سَبَقُوا
أَنْتُمْ مَعَارِجُنا في عَصْرِ رِدّتِنا
مَنْ ظَلَّ مِنْكُمْ وَمَنْ بِالمُصطَفى الْتَحَقُوا
إِنّا لَنَشْهَدُ أَنّا العَاجِزُونَ يَدًا
وَأَنْتُمُ صُبُرٌ عِنْدَ اللِّقا صُدُقُ
فَغادِرُونا فَإِنّا مَحْضُ ثَرْثَرَةٍ
وَأَنْتُمُ الفَجْرُ وَالتّارِيْخُ وَالأَلَقُ