محمد درويش أبو همامما إن تولَّى الملك سَلمان قيادة الدفة في المملكة السعودية حتى أحسَّ المتابعون بتغيرات جديدة تتغير في المنطقة، وظهور ملامح لشخصية عربية وإسلامية جديدة تقود الشرق الأوسط لمرحلة تصبح فيه على أعتاب عهد مغاير لسياسة المملكة الداخلية والخارجية وتحالفاتها الإقليمية، وخاصة أنَّها أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، وباستطاعتها أن تهزَّ الاقتصاد العالمي بأكمله. ووجدت الدبلوماسية الماهرة التي يتمتع بها الملك السعودي ارتياحاً شعبياً بعد استخدام القوة في اليمن ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم، فقد أتت في ظلِّ استجابة لمزيج قاتل من الفوضى العربية والعدوان الإيراني المتعدد الأوجه، مبتعدة عن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي تعبث بالمنطقة لمصلحةإسرائيلية، والوقوف قريباً من العقل الجمعي العربي والإسلامي وطموحاته.ويشهد للملك الجديد تاريخ حافل منذ توليه مسؤولية إمارة الرياض “عندما كان في العشرينات من العمر”، وخبرته الإدارية المتميزة وإسهاماته البارزة في تنمية منطقة الرياض ونهوضها، وخبرته السياسية الواسعة ولقاءاته مع قادة وزعماء العالم، وفكره التطويري للنهوض بالمجتمع.وبدا أنَّ الملك أكثر تعاطفاً مع أصحاب التيار الديني المحافظ من سلفه الملك عبد الله، وأدرك أنَّ الحرب ضد الإخوان المسلمين قسمت العرب، وأعاقت التوحُّد على الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية السعودية، كما لُوحظ من عدة شواهد بأنَّه يميل لجماعة الاخوان المسلمين، فبعد ساعات من وفاة الملك عبد الله أصدر الملك سلمان مراسيم ملكية تطيح بالمطبخ السياسي الذي يتهمه الإخوان بأنَّه يقف خلف التوجه السعودي ضد الجماعة، وهو ما عُرف عنه قبل توليه الملك، وتقوية الروابط مع قطر، وتركيا “الاخوانيتين”، والتعامل مع جماعة الإصلاح التابعة للإخوان في اليمن ضد الحوثيين.وبمجرد أن حصل التقارب السعودي التركي القطري، بدأت تظهر سلسلة من الانتصارات للثوار في سوريا على طاغوتها ومدمرها، وذلك بتدفق السلاح والذخائر “من ممولها السعودي عبر الأراضي التركية والأردنية”، والتي كانت تُعطى لهم سابقاً “بالقطّارة”، لإبقاء التوازن مع قوات الأسد وميليشياته فقط، دون السعي لترجيح كفة الثوار، ضمن اتفاق غير معلن لإجهاض ثورات الربيع العربي، ناهيك عن تقديم أشكال أخرى من الدعم للثورة لتغيير ميزان القوة على الأرض. وجاء قرار الملك بعدم الذهاب إلى واشنطن لحضور اجتماع أوباما مع دول مجلس التعاون الخليجي، في كامب ديفيد، صفعة لأوباما ولسياسته في الشرق الأوسط، وإشارة قوية للتعبير عن فقدان الثقة تجاه السياسة الأمريكية في قضايا إيران وسوريا والعراق واليمن، وخاصة بعد التوصل إلى اتفاق أولي مع إيران بشأن ملفها النووي، لا سيما مسألة رفع العقوبات عن طهران وإنهاء عزلتها، فصرّحت السعودية على لسان تركي الفيصل “رئيس المخابرات السعودية”، قوله: بأنَّ “ما يمتلكه الإيرانيون سنمتلكه أيضاً، وإذا احتاجوا إلى عام لإنتاج قنبلة نووية، فإنَّنا سنعمل على الحصول على قنبلة بحلول ذلك الوقت”، وواجه الملك سلمان التوجه الأمريكي الذي غيّر في سياسته وأولوياته في المنطقة، بصياغة سياسة جديدة للسعودية ذهب بها لتغرد بعيدة عن القبضة الأمريكية، التي طالما كانت تصب في مصلحة الغرب وإسرائيل. وله مواقف دغدع بها مشاعر الناس خلال الأشهر الأولى من توليه للعرش، إذ أعفى وزير الصحة أحمد الخطيب من منصبه بعد مشادة كلامية نشبت بين مواطن والوزير، على خلفية طلب المواطن نقل والده إلى أحد المستشفيات بالرياض وإصراره على ذلك، كما أقال رئيس المراسم الملكية محمد بن عبد الرحمن الطبيشي من منصبه لأنَّه اعتدى على مصور صحفي. ولم تكن صدفة اختيار مجلة التايم الأمريكية للملك سلمان الزعيم الأكثر تأثيراً في العالم، رغم حداثة عهده في توليه الحكم بالمملكة، وذلك بعد التعاطي المميز مع أزمة اليمن وإطلاق التحالف العربي بهذا الشكل وتماسكه وصلابته ومدى تأثيره، ووقوفه بحزم أمام التمدد الإيراني في المنطقة ونسف مخططاتها، وبروزه اللافت في أروقة السياسة والسياسيين والمثقفين، بل وتنامي شعبيته خلال فترة قصيرة بين الشعوب العربية والمسلمة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من أعمال الملك فيصلعام 1973 م تعزيز التسلح السعودي، وتصدر الحملة الداعية إلى قطع النفط العربي عن أمريكا والدول الداعمة لإسرائيل. وقد قامت مجلة التايم الأمريكية بتسميته «رجل العام» لسنة 1974م.وكان هو صاحب المقولة المشهورة التي قرّع بها كيسينجر وزير خارجية أميركا:نحن كنا ولا نزال بدوًا، وكنا نعيش في الخيام، وغذاؤنا التمر والماء فقط، ونحن مستعدون للعودة إلى ما كنا عليه. أما أنتم الغربيين، فهل تستطيعون أن تعيشوا بدون النفط؟