سلوى عبد الرحمن |
حفظ تاريخها عن ظهر قلب، وعرف عائلاتها وجوامعها وكنائسها وأزقتها وتراثها وأحيائها شبرًا شبرًا، عشقه لحجارة مدينته يدفعه للاطمئنان عليها بعد كل قصف خلال الحرب.
“فايز قوصرة” المؤرخ والباحث الكاتب من مدينة إدلب 74 عامًا، حاصل على شهادتين من جامعة دمشق في الآداب والفلسفة، عمل مراسلًا في الصحف والمجلات، ومدير تحرير في صحيفة إدلب الخضراء 1986 ومحررًا وكاتبًا في مجلة “سنابل” الليبية وغيرهم، استمد نهمه للثقافة من جده المؤرخ والمؤلف الحلبي “محمد راغب الطباخ”.
بدأ “القوصرة” نشاطه الثقافي وهو ما يزال طالبًا في المدرسة، فالتحق بالمركز الثقافي الذي افتتح في إدلب عام 1960، وهناك وجد البيئة التي تشبع اهتماماته الثقافية متعمقًا في مجال آثار إدلب، لينشر أول مقال له في مجلة “الخمائل” الحمصية التي عمل مراسلًا لها عام 1962، وآخر عمل له مدرس في جامعة إدلب قسم الآثار، وحاليًا يعمل على كتابة ما جمعه من وثائق وصور.
مؤلفاته
اهتم “المؤرخ” بكتابة تراث المدن السورية وآثارها عامة وإدلب على وجه الخصوص؛ لأن الحضارة واحدة هي الحضارة السورية من الشمال إلى غزة، ألف كتابًا أسماه “أضواء جديدة في تاريخنا الأثري” يتضمن دراسة في حضارات بلاد الشام، وقد تم إخراج الكتاب لكنه لم ينشر بعد، أول مؤلفاته “الرحالة في محافظة إدلب” عام 1984، بلغ عدد كتبه المطبوعة 10 والمخطوطة 17.
“إدلب البلدة المنسية” أضخم كتاب، أنجز منه الجزء الأول المكون من 600 صفحة وعشرة فصول و343 صورة ووثيقة، تحدث فيه عن بداية نشأة إدلب وتكونها وحياتها الإدارية والسكان والواقع الطبيعي والجغرافي وأهم المنشآت فيها خاصة المساجد والزوايا والتكايات والسباطات والخانات والقبور، وقد استغرق هذا العمل خمسين عامًا.
صعوبات وتحديات
صعوبات كثيرة واجهت المؤرخ خلال رحلة توثيقه للتاريخ السوري، أبرزها قلة المال لطباعة الكتب، إضافة إلى ضيق الوقت، فقد قام بمفرده بعمل مؤسساتي، لم يساعده أحد سوى بعض العاملين من أبناء المدينة وريفها. يقول إنه صرف الكثير من ثروته على توثيق تراث المحافظة.
ارتفاع تكاليف الطباعة لم تقف عائقًا أمام “القوصرة” فلم يتوقف عن الكتابة، ويتابع حاليًا إخراج كتبه بدون طباعة pdf يتم إخراجها تباعًا لتكون متوفرة في متناول الجميع على الإنترنت.
امرأة وحيدة أثّرت في حياة المؤرخ، هي زوجته “ماريا” أهداها الجزء الأول من كتابه “إدلب البلدة المنسية” فهي ساندته في الترجمة والكتابة في المكتبات الدولية وطي الكتب، خاصة الجزء الثاني من كتاب “الرحَّالة” حين قام بطباعته وإحضاره من حلب إلى إدلب لتطويه لتوفير المصاريف.
غنى أثري وتاريخ عريق
يروي “القوصرة” عن مدينته أنها حازت على عدة أسماء، في الوثائق العثمانية، فسميت بإدلب المعمورة، وإدلب المحروسة، وإدلب العامرة، وإدلب الصابون، حيث كانت تشتهر بصناعة الصابون في الشرق الأوسط، حتى أن الجيش المصري عام 1835 وقع وثيقة مع مسؤول في إدلب لتزويد مصر بمادة الصابون.
الغنى الأثري في المحافظة لا يمكن أن يتصوره عقل، كما يقول مؤرخ إدلب، فإذا ما صعدنا جبل باريشا أو الجبل الأعلى من جبال حارم نشاهد كل 3 كم قرية أثرية، ففي جبل “باريشا” وحده وثق 82 موقعًا سيحاول نشرها على شكل ملفات في أقرب وقت.
ولطالما كانت مدينة إدلب متقدمة اقتصاديًا، حيث وصل عدد سكانها في القرن السابع عشر من 10 آلاف حتى 30 ألف نسمة، أي ازداد ضعفين بسبب هجرة القرى المجاورة إليها، لأن إدلب أصبحت معفية من الضرائب ووقفًا للحرمين الشريفين، أي أن دخْل إدلب لم يكن يذهب إلى العاصمة إستانبول، بل لخدمة مكة والمدينة.
“رجل التوثيق وفارس الحقيقة” يدعو أبناء المدينة للعودة
دعا “القوصرة” لمتابعة إخراج كتبه، فهي مؤلفة لكنها تحتاج إلى ترتيب، فعملية الإخراج تحتاج جهدًا وانتباهًا وتعريفًا، خاصة أن معظم كتبه ذات صور وتوثيق، فلقبه أصدقائه بـ “رجل التوثيق”، و “فارس الحقيقة” لأنه يبحث عن الحقيقة من خلال وثائق وصور تثبت صحة كل ما يكتب عنه، ولديه الكثير من الوثائق يحاول إخراجها للنور.
ووجه “القوصرة” نداء لأبناء محافظته الذين غادروها بسبب الحرب، قائلاً: “عودوا إلى بلدكم ولا تتخلوا عن هوية الأصل والأصالة، لأن الأدالبة طيبون كما ذكر الرحالة أوليز البي منذ 300 عام.