حبر – أحمد وديع العبسي |
انتهت الانتخابات التركية أول أمس الجمعة، وقد حملت معها مفاجأة من العيار الثقيل للعدالة والتنمية بخسارته لأكبر مدينتين في تركيا على مستوى الولاية الكبرى (أنقرة واسطنبول) ضربة موجعة يتلقاها نظام الحكم الجديد والتعديلات الدستورية التي أُقرت بشق الأنفس قبل عامين ب 51%
حتى لو كانت عمليات التزوير هي السبب في خسارة العدالة والتنمية لاسطنبول، وعاد يلدرم للصدارة بعد الطعون، سيبقى النصر بطعم الخسارة، (نصر ضئيل) ربما يكشف أربعة من عوامل الضعف الكبرى التي يجب أن يجد لها الحزب الحاكم حلاً جذرياً قبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة (الرئاسية والبرلمانية) في 2022
1- الترهل الاقتصادي: تعاني تركيا أزمة اقتصادية حقيقية رغم استمرارها في تطوير البنى التحتية والمشاريع العمرانية بالإضافة لتحسن قطاع السياحة المستمر رغم فتوره ايضاً في أوقات متفرقة من الأعوام الماضية. ولكن انخفاض قيمة الليرة والهجمات المستمرة عليها، جعل الناخب التركي يفكر في بديل يكون أكثر إرضاء للساحة الدولية ليخفف عنه الضغط الاقتصادي.
2- الخطاب الإقصائي للأتاتوركية: يتخوف الكثيرون من خطاب العدالة والتنمية الأكثر تعلقاً بالعثمانيين، والذي يشير إلى مرحلة أتاتورك كأنها مرحلة أضعفت تركيا، رغم بعد الخطاب المباشر عن ذلك، ولكن الناس صاروا يسمعون هذا الخطاب من أنصار العدالة والتنمية، وبدأ تصدير “أردوغان” كوجه تركيا الجديد، الذي سيعيد لها الخطاب الإسلامي، مما جعله يخسر تقريبا كل النخبة العلمانية والكثير جداً من أتباعها، بالإضافة لعدد من الإسلاميين الذين شعروا أن إسلامية أردوغان هي نهج واحد، غير تعددي، خاصةً بعد أن هاجم أردوغان كل تيار غولن بعد محاولة الانقلاب، وهو تيار إسلامي واضح، وقد كان فيه المذنب وعدم المذنب، لكن الاعتقالات والتسريح من الوظائف طالت الغالبية.
3- ضعف الحلف الانتمائي الشعبي: ربما تعتبر هذه أهم نقطة، فمؤيّدو العدالة والتنمية _ عدد كبير منهم _ مؤيد للنجاح، وليس للحزب، لذلك مع أول صدمة تلقاها الحزب في مسيرته الناجحة بدأ جمهور عريض ينفض من حوله، وتوجه إلى أحزاب أخرى فقط لمعاقبة الحزب، على الرغم من أن هذه الأحزاب ليس في سجلها إنجاز واحد، بل ع العكس سجلها مليء باحتكار السلطة والفساد والفشل الاقتصادي وكل ما يجعل الناخب يبتعد عنها، مع ذلك فجماهريتها لم تتأثر كثيراً، ولا زال أنصار الحزب الجمهوري ينتخبونه في كل مرة رغم فشله، وهو يشكل ثقلاً كبيراً في الساحة التركية دون أي حوامل حقيقية، وإنما يعتمد على أمرين فقط، وراثة اتاتورك، وحماية الهوية العلمانية للدولة التي يهددها أردوغان وحزبه.
وبالتالي نجد أن الكثير من العلمانيين على الرغم من استفادتهم القصوى من إنجازات العدالة والتنمية ما زالوا مصرّين على خيارهم الجمهوري، ولا تستطيع أن تفهم في مستوى البلديات بالذات كيف يتغلب الانتماء على الإنجاز، والكثير من المدن التي يفوز فيها الجمهوريون تظهر متخلفة أمام المدن التي يديرها العدالة والتنمية.
يضاف إلى ذلك عدد من المشكلات التي يجب ان تكون قد حُلت خلال الثلاث سنوات المتبقية، على رأسها القضية السورية والسوريين، بالإضافة للقضية الكردية، وحل المشكلات مع الولايات المتحدة وروسيا، والحرص على عدم ترك فرص مصلحية ليتحالف القطبين على حساب تركيا في المنطقة.
4- الاستغناء عن المعارك الجانبية: يظهر الحزب مستسلماً في ولايات مثل هاتاي وأزمير وأنطاليا، ويتفرغ لمعركته في أنقرة واسطنبول، مما يريح خصومه في معاقلهم، ويجعلهم أكثر ضراوة في العاصمتين، على الرغم من عدم إهمال المعركة الانتخابية كلياً، فدائماً ما يخسر العدالة هذه المدن، ولكن لو نقل العدالة إحدى أكبر معاركه إلى أزمير أو أنطاليا، سيحرج الجمهوريين ويجعلهم يتحركون بنشاط أكبر للحفاظ على معاقلهم ويتركون المعارك الانتخابية الصعبة في العاصمتين. إن فوز العدالة بالبلديات الكبرى لهذه الولايات سيكون ضربة موجعة للحزب الجمهوري بحجم فوز الجمهوريين باسطنبول لو حدث ذلك، خاصةً إن الجمهوريين لا يركزون على منافسة حقيقية ومحرجة للعدالة والتنمية سوى في العاصمتين لثقلهما، بينما يتركون بقية الولايات للمزاج الشعبي العام، فالحزب المعارض لا يهمه أن يربح الجولات الصغيرة الكثيرة بل جولة كبيرة واحدة تكفيه ليثبت قوته وعودته للساحة وترنح خصمه، لكن يبقى لمعاقله أهمية كبرى لو تعرضت لهزة كبيرة، وهذا ما يجب أن يركز عليه العدالة والتنمية، وألا يتجاهله.