فرات الشامي |
حِمى التنافس اﻷمريكي-الروسي في سوق الغاز المسال مرتفعة وتزداد ضراوةً، بعد أن ظهر جلياً تفوق روسيا العام المنصرم، في إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، أحد أكبر مستهلكي الغاز في العالم.
التنافس بين الدولتين الروسية واﻷمريكية بلغ من طرف هذه اﻷخيرة سعيها الجاد لمعاقبة الشركات الأوروبية التي تعمل في إمدادات الغاز الروسية، وكذلك معاقبة قطاع الطاقة الروسي عبر المزيد من الحظر.
خطوات واشنطن لمعاقبة الشركات اﻷوروبية:
فقد أقر مجلس النواب الأميركي في وقتٍ سابق من اﻷسبوع الفائت، مشروع قانون موجه رسمياً ضد تأثير صناعة الطاقة الروسية في الدول الأوروبية، لكن هذه الوثيقة التي تدعو إلى مكافحة اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا ودعم مشاريع الطاقة البديلة، لم تحصل على موافقة مجلس الشيوخ ورئيس الولايات المتحدة، بمعنى بقاءها مجرد مشروع قانون.
التنافس الروسي-اﻷمريكي في مجال الغاز المسال بلغة اﻷرقام:
وكالة تاس الروسية، نشرت أمس الإثنين، بياناتٍ أوضحت فيها أن إمدادات روسيا من الغاز المسال إلى أوروبا خلال 2018 بلغت 4.4 ملايين طن، مقابل 2.7 مليون طن تم توريدها إلى الأسواق الأوروبية من الولايات المتحدة.
البيانات ذاتها كشفت أيضاً، أن إجمالي صادرات الغاز المسال من روسيا اقترب من إجمالي صادرات الولايات المتحدة من هذه المادة، حيث بلغت صادرات روسيا، خلال العام الماضي، 18.4 مليون طن، فيما باعت الولايات المتحدة 20.7 مليون طن.
ورجح التقرير هذا النمو في صادرات روسيا من الغاز الطبيعي المسال، خلال العام الفائت، إلى إطلاق محطة “يامال للغاز المسال”، والذي يعدّ المشروع الأول من نوعه في المنطقة القطبية الشمالية التابعة لروسيا، وتقوم عليه شركة “نوفاتيك” الروسية لإنتاج الغاز، التي تعمل في الوقت الراهن على تطوير مشروع عملاق في أقصى الشمال يسمى “آركتيك-2” في بحر كارا.
وتقع المحطة في شبه جزيرة يامال، على بعد نحو 2500 كيلومتر من موسكو، في منطقة مهمة لإنتاج النفط والغاز الروسي، رغم ظروفها المناخية القاسية.
وتقوم روسيا أيضاً بتوريد الغاز الطبيعي عبر أنابيب إلى أوروبا وتركيا، وبناء أنابيب جديدة لضخ الغاز وهي “السيل الشمالي-2″ إلى ألمانيا، و”السيل التركي” إلى تركيا، و”قوة سيبيريا” إلى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
الموقف السياسي من المنافسة:
نقلت صحيفة العربي الجديد عن محللين روس قولهم؛ أن هناك مشكلتين تواجهان مورّدي الغاز الأميركي:
الأولى، ثمن الغاز الباهظ، والأخرى، عدم وجود آليات واضحة لاتجاه الضخ. فليس لدى الولايات المتحدة “غازبروم” خاصة بها، فيما هناك كثير من الوسطاء الذين يشترون الوقود الأزرق من مصانع الغاز الطبيعي المسال.
بينما تتخوف واشنطن من تأثير موسكو على القرار الأوروبي، عبر سيطرتها على إمدادات الغاز، وهي مخاوف حقيقية، إذ سبق لموسكو أن أوقفت الغاز عن دول أوروبية في فترة شتاء قاسٍ. هذه المخاوف أشار إليها صراحةً وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مؤتمر “سيراويك” للطاقة، في هيوستن بتكساس بقوله: “إن روسيا تستخدم خطوط أنابيب الغاز للضغط السياسي على أوكرانيا”. مشيراً إلى أن روسيا “غزت أوكرانيا من أجل الوصول إلى احتياطاتها من النفط والغاز”.
وشدد بومبيو على أن “روسيا مصممة على منع أوكرانيا من استخدام احتياطاتها من الطاقة واستخدام خطوط أنابيبها وشبكاتها لتوصيل (السيل الشمالي 2)، كما لا نريد نحن أن نعتمد على إمدادات النفط الفنزويلية”.
على عكس الموقف اﻷمريكي سبق أن أبدت موسكو عدم خشيتها من ذلك التنافس في سوق الغاز الأوروبية مع واشنطن على لسان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك.
يُذكر أنّ واشنطن سعت منذ العام الفائت لفرض عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسي، اﻷمر الذي ترفضه موسكو، وترى عدم جوازه، باعتباره يؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها على أمن الطاقة بشكل عام، حسب تصريحات سابقة لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك.
حلول قديمة لكن على اﻷرض!
موسكو تُحاول في هذا السياق إيجاد أرضية مشتركة ونقاط التقاء مع واشنطن، فقد سبق أن التقى وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بنظيره اﻷمريكي ريك بيري، واقترح إنشاء صندوق استثماري مشترك؛ لتنفيذ مشاريع في مجال الطاقة والاستخدام الفعال للطاقة وتطوير تكنولوجيات بمشاركة صناديق روسية وأمريكية، وخاصة الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة.
على صعيدٍ آخر؛ تعمل الدول الأوروبية على التوسع في منشآت معالجة الغاز المسال، وتتجاوز الطاقة الإجمالية لمحطات استقبال الغاز الطبيعي المسال في أوروبا حالياً 220 مليار متر مكعب، لكنها تعمل بطاقة لا تتجاوز 25-30%. هذا يعني ضرورة التفاوض أولاً حول القدرة على تقديم شروط أفضل مقارنة بشركات الغاز الصخري الأميركية التي بدأت حديثاً في التصدير وإنشاء محطات التصدير، بحسب خبراء مختصين.
إلى أين يتجه التنافس؟!
ﻻ تبدو اﻷمور حتى اللحظة واضحة على اﻷقل بالنسبة إلى المحللين السياسيين والخبراء في هذا المجال، لكن الواضح أنّ واشنطن تعمل لوقف إمدادات الغاز المسال الجديدة الروسية، في الوقت الذي تتمسك فيه موسكو بأسعارها الرخيصة مقارنة بأسعار الغاز الأميركية.