تحل اليوم الذكرى الثالثة عشر لرحيل الشاعر السوري محمد الماغوط (2006-1934)، بعدما غيّبه الموت بعد صراع طويل مع المرض. وبعدما ترك إرثاً شعرياً وأدبياً وجد صداه في أجيال أدبية لاحقة.
استطاع الماغوط أن يعزل نصه الشعري، كتجربة حية، عن مناظرات فكرية غزت غيره من أبناء جيله، واستوطنت لغتهم وصورهم الشعرية. فمع هؤلاء، كان الشعر والتفكير بالشعر، يتّحدان، ويتعثر معهما الإحساس بلحظة شعرية خاطفة، هي تيمة التجربة التي لا يجب أن يعطّلها التفكير الشعري عن الحدْس ومواجهة العالم.
ولهذا، ليس بالمصادفة أن ينتقد الماغوط منظّراً للحداثة الشعرية وسمّي شيخاً لها في وقت ما، وهو الشاعر أدونيس: “مشكلة أدونيس أنه معلّم في الشرق، وتلميذ في الغرب” مضيفاً في حوار نشرته صحيفة “الرياض” السعودية: “ثم لماذا كل هذا التنظير للقصيدة؟ وماذا يعني القارئ إن وضعت كلمة أو حرفاً على يسار حرف أو نقطة على خصر نقطة، إذا كانت السجون والمستشفيات والأرصفة تغص بروّادها؟”.
وينتهي إلى القول، في الحوار المشار إليه: “أنا لا أحب القصيدة الفكرية، ولا أفهم شعر أدونيس”.
أمّا مع محمد الماغوط، فما كان للتفكير بالشعر أن يعرقل نبض القصيدة. الأخيرة لديه جزء من جسده، تخرج مع أنفاسه وتقلّده ويقلّدها. وما سمح، أبداً، لصراع الأفكار في ستينيات القرن الماضي، أن يحجبه عن صوته.
بسرعة، حلّ تأثيره على أجيال أدبية لاحقة. عندما لم يتمكن النظر الشعري أن يفتن ويسحر ويجذب. وبعدما تبيّن أن ثمة حاجة لتصبح اللغة تكويناً يخرجها من كونها وسيلة تخاطب، وحسب، ولتتحول عقلاً يفكّر ويحيا. وهو ما فعله الماغوط، بالضبط. اللغة عادت الى مكانها الذي يوزع أنحاءه ما بين الواقع والذات والذاكرة والتفكير والتجربة.
وفي ظل هذه الشخصية الأدبية التي تركت أثرها في كل ما يحيط بها، شعراً ونثراً وتصريحات وأسلوب حياة، تعرف القراء، وشغفوا بـ”حزن في ضوء القمر” 1959 و”غرفة بملايين الجدران” 1960 و”الفرح ليس مهنتي” 1970. هذا فضلا عن مسرحياته التي من أشهرها “غربة” و”كاسك يا وطن” و”ضيعة تشرين”. وللسينما كتب “التقرير” و”الحدود”.
“لم يعد ثمة ما يفصل جثث الموتى عن أحذية المارّة”
الماغوط قَبِل تكريم رأس النظام السوري بشار الأسد له. البعض يرى هذا القبول جزءا من الكوميديا السوداء التي تطبع شعره وآراءه ومواقفه. بل هو جزء من حلْكة قصيدة الماغوط وسخريتها وتهكمها من ذاتها ومن الآخر.
بعد ثلاثة عشر عاماً على رحيل الماغوط، دُمِّرت بلاده على يد من كرّمه سابقاً، قبل وفاته، يعود الماغوط الى الواجهة في قصيدة له أصبحت واقعاً: “لم يعد ثمة ما يفصل جثث الموتى عن أحذية المارّة”.