لا يزال السوريون يبحثون عن فاعل سياسي حقيقي يستطيعون من خلاله تحقيق ما عجزت الحرب عن تحقيقه لدى الأطراف المتصارعة، وبين أولويات الشأن الإنساني، وتشرذم الساحة السياسية، وصعوبة تشكيل أي مرجعية للسوريين يستندون إليها في خلافهم حول قضاياهم بسبب حدّة الاصطفاف والإقصاء لدى مختلف الأطراف، يبقى إيجاد هذا الفاعل أو محاولة صناعته من خلال ممارسة سياسية مباشرة ضرباً من العبث والفوضى السياسية التي تجعل الفجوة تزداد بين الأفراد والمجموعات في الجهة الواحدة.
فالتيار المؤيد للنظام اليوم ليس سوى عصبة مركزية جداً تجمعها المصالح والقوة والقدرة على الاستعباد، بينما جمهوره حقيقة أناس غالبيتهم من المغلوبين على أمرهم، وقد رماهم القدر بضعفهم في مناطق سيطرة النظام حيث تكسر قسوة المعيشة ظهورهم.
أمّا الفئة الأفضل حالاً في الجهة نفسها فهي فئة رمادية التوجه متشكلة من ألوان طيف غير مكتملة وليست من لون واحد، ففيهم المعارض والمصلحي والمؤيد والناقم على الجميع، ومن لا يهتم لأي شيء سوى أن تستمر حياته بالشكل الهادئ الذي حاول الحفاظ عليه كل الفترة السابقة.
على الجهة الأخرى أيضاً لا تظهر المعارضة كتيار موحد الرؤى والمطالب، وإنما تمتد من الثوار الأكثر تشدداً تجاه تغيير شامل وجذري مهما كلف ذلك، إلا من يقبل بحل سياسي يؤمّن وجوده بالحد الأدنى، مروراً بمن يريد رأب صدع الشعب السوري، إلى المختلفين في شكل الحل السياسي، إلى من يركز على شخصيات معينة أو أهداف دون غيرها وتكثر الانقسامات حتى في التصنيف الواحد.
هذا غير اصطفافات العسكريين في الطرفين خلف قوتهم أو مصالح الدول التي تدعمهم، وتدخل الدول الراعية الذي يلجم الجميع وقت الحاجة، أو يعطل توافقهم بحسب مصالحه وبالتالي يزيد تفاقم المشكلة والانقسام.
إن وضع كل هذه الانقسامات في سلتين غير متجانستين على الإطلاق ومحاولة إيجاد حل من خلالهما ووضعهما في سلة واحدة لن يُوصل إلى حل، بل إلى ساحة بركان جديد ودوامة لن تحقق أهداف أي طرف على الإطلاق ولا حتى بالحد الأدنى، وبالتالي لا يوجد أي فعل سياسي حقيقي ولا فاعلين سياسيين، وإنما يوجد إدارة للمصلحة السياسية من أطراف خارجية واقتسام للممكن دون تحقيق الأهداف. ووضع المجتمع السوري أمام احتمالية صدام قريب جداً.
ما يجب فعله هو الاعتراف بوجود كل تلك الأطراف في كل جهة، وبناء التفاهمات بينها للوصول إلى طرفين متجانسين حقيقة يتمكنان من قيادة الحل، لا إنتاج طرف ثالث يزيد المشكلة تعقيداً.
المدير العام | أحمد وديع العبسي