مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي |
ثلاث سنوات ونصف مرّت على التدخل الروسي العسكري في سوريا، في إطار مساندة نظام الأسد بوصفها مؤشراً على ضعفه المتصاعد، وكذلك تزايد إنهاك قوة إيران التي لم تحتمل تعزيز قدراتها لحماية نظام الأسد، وإيران أيضاً، إذ كان واضحاً في المرحلة الأخيرة أن النظام ضعف كثيراً، وأن إيران لم تعد تحتمل تعزيز قدراتها في سوريا لحمايته، بعد أن حدث اختلال في ميزان القوى العسكري لغير مصلحة النظام وحلفائه، وما كان يمنع سقوطه هو حسابات الدول الإقليمية التي تتحكم في قوى أساسية تقاتل النظام. الآن وبعد مرور ثلاثة أعوام على تدخل روسيا في سوريا، في سياق ما يسمى “محاربة الإرهاب”، بدعوة رسمية من نظام الأسد لدعمه ومساندته، انتهجت روسيا استراتيجية واضحة المعالم، لتقليص نفوذ قوى الصراع المحلية والإقليمية، والتضييق على نظام الأسد، من خلال إيجاد قوى عسكرية وأمنية، تسيطر على مناطق واسعة من سوريا تابعة لروسيا، وتدير عملياتها فيها.
في إطار المناقشة والتحليل لهذه التشكيلات العسكرية، والاستثمار الروسي لها، وانعكاساتها على الساحة السورية، نناقش سلسلة من المحاور التي تحتويها هذه الورقة.
– أولاً: القوات العسكرية والأمنية التابعة لروسيا في سوريا
– الساحل السوري
تنتشر في الجزء الغربي من الساحل السوري القوات العسكرية والأمنية الآتية:
* قاعدة مطار حميميم الجوية في اللاذقية
يقع مطار “حميميم” في ريف اللاذقية، على بعد حوالى 15 كيلومتر من القرداحة في منطقة ذات أغلبية طائفية علوية، تعادل المساحة الإجمالية للمطار قرابة 1.6 مليون متر مربع، ومساحة ساحاته حوالى 82 ألف متر مربع، وطول مهبطه 2800 متر. وُسِّع بالعرض والطول كي تهبط عليه طائرات أنطونوف أكبر الطائرات الروسية التي تحمل دبابات ومدافع، كذلك طائرات سوخوي 35 “1” وهي من أهم الطائرات الروسية. وبنيت مبان للضباط والمهندسين والتقنيين، وتضمن المطار راداراً تقنياً بأحدث الأجهزة ليلاً نهاراً، صيفاً شتاءً، وقائد القاعدة جنرال روسي، ورُكِّبت صواريخ أرض جو روسية للدفاع عن المطار وكل المناطق المحيطة به، وشحنت روسيا مساكن جاهزة ومحطة مراقبة جوية للنقل إلى المطار”2″.
يذكر أن مجموعة قوات الدفاع الجوي الروسية المتمركزة في قاعدة حميميم بريف اللاذقية تضم كتيبة الهندسة الراديوية وبطارية من منظومة “بانتسير – أس” الروسية للصواريخ، والمدافع المضادة للجو، ومنظومات “أس – 400″ الصاروخية”3”.
وأكد ميشيرياكوف أن منظومات الدفاع الجوي الروسية في مطار حميميم تراقب كل الأهداف الجوية ضمن دائرة يبلغ نصف قطرها 400 كيلومتر، وعلى ارتفاع يصل إلى 35 كيلومتراً.
وأدّت هذه القاعدة دوراً أساسياً في قتل الشعب السوري الثائر وتدمير المدن والقرى من خلال العمليات القتالية الجوية الروسية التي تنطلق من هذه القاعدة “4”.
* قاعدة طرطوس البحرية
تقع هذه القاعدة بالقرب من مدينة طرطوس الخاضعة لنظام الأسد الطائفي، مجهزة بثكنات ومبان للتخزين ومستودعات عائمة وباخرة صيانة.
وقد صادق النواب الروس 21 كانون الأول/ ديسمبر 2017 على اتفاق يقضي بتوسيع المنشآت المرفئية العسكرية الروسية في طرطوس في شمال غرب سوريا التي ستصبح قاعدة بحرية روسية دائمة. وتجيز حكومة الأسد لروسيا بموجب الاتفاق “توسيع أرض المركز اللوجستي للبحرية الروسية في ميناء طرطوس ودخول السفن الحربية الروسية إلى البحر الإقليمي والمياه الداخلية وموانئ سوريا”، بحسب التسمية الرسمية التي أوردتها “روسيا اليوم” بالعربية للاتفاق. وأبرم الاتفاق لأجل يبلغ 49 عاماً يجدد تلقائياً كل 25 عاماً، إلا في حال وقوع خلاف بين الطرفين. عدّ أحد نواب الرئيس الروسي لشؤون الدفاع نيكولاي بانكوف في أثناء عرض الوثيقة على النواب قبيل التصويت أن “روسيا ستتمكن من استخدام مرافق ميناء طرطوس مجاناً”، وبينها نقاط رسو على الأرصفة ومستودعات. وسيجيز الاتفاق لروسيا توسيع الأراضي التابعة لقاعدتها في طرطوس إلى 24 هكتاراً، بحسبه”5”.
وتعدّها موسكو نقطة إمدادات ومساعدة تقنية ذات أهمية استراتيجية، ويعدها بعض المراقبين الغربيين قاعدة أساسية للتجسس في الشرق الأوسط “3”. وتعد نقطة انتشار روسيا الوحيدة في البحر المتوسط، وتشكل نقطة وثوب استراتيجية إلى ممرات ومضائق بحرية حيوية مثل مضيق البوسفور وقناة السويس، وتتيح القاعدة إمكانية مراقبة تحركات قوات حلف الناتو.
وأوضح الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للأسطول الحربي الروسي الأميرال فيكتور كرافتشينكو “أن نشر القاعدة الروسية الجديدة في طرطوس يرمي إلى تحقيق أهداف جيوسياسية، إضافة إلى الأهداف العسكرية المباشرة. وأكد أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تعزيز الوجود العسكري الروسي في المنطقة بقدر كبير.”
واستدرك قائلاً: “نشر القاعدة العسكرية البحرية سيعني إنشاء بنية تحتية متكاملة. ويدور الحديث ليس عن السفن والمرافئ فحسب، بل عن منظومة للتحكم، ومنظومة حراسة ودفاع، ومنظومة للدفاع الجوي. ولم يكن إرسال بطارية “إس-300″ إلى هناك عديم السبب”.
وأكد: “إن مهمة القاعدة العسكرية البحرية تشمل حماية مرفأ مرابطة السفن والبنية التحتية في هذه المنطقة بالكامل، وهو أمر يستوجب أن يكون هناك عنصرا الدفاع الجوي والدفاع المضاد للغواصات، إضافة إلى نشر مجموعة كبيرة من القوات البرية في القاعدة”6”.
ويوجد في المرفأ لجنة عسكريّة مؤلفة من ضبّاط روس يجتمعون دوريّاً مع مدير المرفأ ورؤساء الأفرع الأمنيّة وقادة بعض الميليشيات (وبخاصة علي مهنّا قائد ميلشيا السحابات، التابعة لقوّات سهيل الحسن) والمحافظ وبعض الشخصيّات البعثيّة، ويتلقى هؤلاء التعليمات المباشرة من الضبّاط الروس، حيث يعدّ الميناء مركزاً لوجستيّاً للروس لتأمين محيط القاعدة والسيطرة الكاملة على المحافظة.
* مرفأ غورين
مرفأ عسكري صغير يقع بالقرب من مدينة جبلة، وهو متخصص بالزوارق الحربيّة، يتبع للكليّة البحريّة القريبة أيضاً من مدينة جبلة الساحليّة، وقد سيطر الروس على هذا المرفأ سيطرة كاملة بما في ذلك جميع الدوريّات البحريّة التي يسيرها في المياه الإقليميّة، وتتبع جميع السلطات العسكريّة في الكليّة للضباط الروس في المرفأ، وقد تشهد الكليّة البحريّة أياماً من الشلل لغياب التعليمات الروسيّة”7″.
* قاعدة إسطامو الجوّيّة
تقع شمال بلدة “حميميم” وتبعد عنها نحو 9 كم، أُنشئت في 15 أيلول/ سبتمبر 2015. نشرت فيها روسيا مروحياتٍ عسكريّة من طرازاتٍ مختلفة (مي 8، ومي 24، ومي 35، ومي 28، وكاموف 52)، لتخفيف عدد الحوامات القتاليّة في “حميميم” الذي لم يعد قادراً على استيعاب أعداد الطائرات الحربيّة وطائرات النقل والتأمين العسكريّة، فضلاً عن الحوامات. إضافة إلى المجموعة البحرية التي رست مقابل سواحل اللاذقية وطرطوس وراوحت أعدادها (زيادة ونقصاناً) بحسب الوضع القتالي ودرجة الاستعراض العسكري وعرض العضلات التي تود موسكو إظهارها”8″.
– القواعد البريّة الروسية في الساحل السوري
لروسيا عدد من المراكز والنقاط الأخرى في داخل الساحل. وتقع هذه المراكز بالكامل تحت سيطرة العناصر الروسية في ظل غياب للعنصر السوري، وفي بعض المراكز والنقاط يعمل الضبّاط السوريون الأمراء (أي من رتبة عميد فما فوق) بإمرة الضبّاط الروس، من دون احتكاك مباشر بين العنصر الروسي والعنصر السوري. وهناك ما يشبه الحظر على القوّات السوريّة لمنع اقتراب أي عنصر أو آليّة من المنطقة العسكريّة الروسيّة، وتقتصر العلاقة على قادة الكتائب والألوية، حيث يجري الحديث عن بعض العمداء الذين وصلت بهم الحال إلى العمل سائقين عند الضبّاط الروس.
وأهم المراكز العسكرية الروسية في الساحل هي:
* مركز البحوث في طرطوس
يقع بجانب المرفأ وقد صمم من قبل الإيرانيين بإشراف خبراء روس منذ سنوات عدة، لكنّ الخبراء الروس هم المشرفون الوحيدون على هذا المركز، وهم مهندسون ضبّاط في الجيش الروسي.
ويقوم المركز بتصنيع جميع المعدات الملحقة بالمعدات الروسيّة، وقد استقدم العاملون السوريون فيه من وزارة الدفاع الذين كانوا يعملون في معامل الدفاع السابقة التابعة للبحوث العلميّة، ووظف عدد من الخبرات السوريّة الشابّة فيه، بمسمّى البحوث العلميّة، ويضم المركز حالياً ضباطاً وعناصر روسيين وكوريين شماليين وإيرانيين أيضاً، وسط تشديد أمني كبير على المركز ومن فيه.
وأكد مصدر من داخل مركز البحوث، أنهم كانوا يرون شاحنات كبيرة تدخل المركز محملة بالمعدات والآلات المغطاة بالخشب، وكانت مهمة الجنود “تقتصر على فك الأخشاب وتنظيفها، وبعد ذلك يضع الروس والكوريون هذه المعدات في شاحنات ثانية ويغطونها بشوادر قماشية وسط حراسة مشددة جداً من المخابرات الجوية”9”.
* قاعدة النسر
تقع قاعدة النسر في قلب وادي جهنّم الشهير شرق مدينة بانياس بحوالى عشرين كيلو متر، وهو وادٍ عميق ذو انحدار شديد. وتمتد القاعدة على مساحة واسعة من الأراضي تقدّر بحوالى 25 كم2. بدأ العمل في القاعدة في حزيران/ يونيو 2013؛ وما زال مستمراً حتى الآن. وكان الإيرانيون يشرفون عليه بالكامل، لكنّ وتيرة العمل كانت بطيئة، وبعد مجيء الروس استبدل بالخبراء الإيرانيين خبراء روس وكوريين فتسارعت وتيرة العمل فيه.
تحتوي القاعدة على مخازن صواريخ استراتيجيّة ومهبط للطائرات العموديّة، ويجري الحديث عن “مشروع النسر2″ الذي يتضمّن مطاراً حربياً. وقد يقوم الروس باستملاك أراضي القرى التي تقع على الهضبات القريبة.
شغّل المشروع عمالاً سوريين من المناطق المجاورة بأجور زهيدة منذ انطلاقه، ويعملون استناداً إلى عقود تابعة للإنشاءات العسكريّة”10”.
* صقور الصحراء
صدر مرسوم تشريعي عن رئيس النظام السوري، برقم 55 في السادس من أغسطس/ آب 2013، يقضي بمنح التراخيص لشركات الحماية الأمنية والحراسة الخاصة”11″ الذي أسّست “صقور الصحراء” بعده لتبدأ عملها بحماية حقول نفطية في ريف حمص الشرقي بتمويل من أيمن جابر (زوج ابنة كمال الأسد ابن عم بشار الأسد)، المعروف بين الموالين بعلاقاته الوثيقة بموسكو، والمدرج منذ 29 أبريل/ نيسان عام 2011، على قائمة العقوبات الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (“OFAC”) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، بموجب الأمر التنفيذي 13572 “بسبب تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا”، وعلى الرغم من أن أيمن جابر ظهر إعلامياً بوصفه مؤسس “صقور الصحراء” إلا أن “من يقود المليشيا شقيقه محمد جابر”12″، وذلك وفقاً لما جاء على الصفحة الرسمية لـ “صقور الصحراء” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” “13”. وانتقلت الميليشيا من حماية المنشآت النفطية لتقاتل ضد المعارضة في ريف دير الزور وعلى الحدود السورية العراقية، وفي مرحلةٍ لاحقة توسّع عمل المليشيا وباتت تحارب في حلب وحمص وريف دمشق والبادية السورية ومحافظة اللاذقية، بحسب مقاطع فيديو نشرتها على صفحتها. وقد أسست بصفتها ـ”قوات نخبة” على يد محمد جابر، وهو رجل أعمال تربطه صلات وثيقة بالنظام. وتعمل “صقور الصحراء” في المناطق الصحراوية، وشاركت في هجوم “القريتين”، وساهمت في استعادة السيطرة على بلدة “كسب” في الساحل السوري. وتتكوّن من عناصر علوية وشيعية وأفراد من عشيرة الشعيطات، خُصصت مهماتها من أجل قتال عناصر “داعش”. وتضم هذه المليشيات عناصر مدربة، منهم ضباط وعناصر متقاعدون في الجيش ومتطوعون من الشباب السوري. وهي مليشيا مختصة في نصب الكمائن وتنفيذ المهمات الخاصة الصعبة. وتُركز على حماية منابع النفط والغاز في سوريا. وتحمي أكبر مخزن للأسلحة في سوريا، وهو مخزن مهين”14″.
وتكشف الصور ومقاطع الفيديو حصول “صقور الصحراء” على أحدث الدبابات الروسية من طراز “تي-72 بي 3” ومركبة المشاة القتالية “بي إم بي- 2 والمركبة المدرعة “فيسترل” (الطلقة) التي ظهرت على الجبهات في معارك صقور الصحراء، وهو ما يشير إلى الدعم الروسي المكثّف للمليشيا التي ذكر موقع “فيستنيك موردافي” الروسي (المتخصّص بالأخبار العسكرية الروسية) أن مدرّعاتها شاركت في معارك بمحافظة حماة “15”.
* معسكر الطلائع في اللاذقيّة
وهو مركز قيادة وتجمّع الفيلق الخامس اقتحام الذي أعلن عنه النظام مؤخراً وجرى الترويج له بجميع وسائله المتاحه، وأُعطي من ينتسب إليه كثيراً من المزايا الماديّة. إلا أن المعلومات من مصادر مطلعة تؤكّد أنّ المنتسبين إلى هذا الفيلق ما زالوا بأعداد قليلة لا تتجاوز ألفي عنصر، ويشرف على المعسكر ضبّاط سوريون يتبعون للقيادة الروسية في حميميم”16″.
– النقاط العسكريّة في الساحل السوري
هناك ما يقارب عشرين نقطة عسكريّة كانت في الأصل ألوية وكتائب تابعة للدفاع الجوي وخفر السواحل لجيش النظام، سيطر الروس عليها بالكامل مع الإبقاء على العنصر السوري بوصفهم كتائب خدمة وحراسة بينما العاملون فيها جميعهم من الروس ضبّاطا وأفراداً.
وتنتشر هذه القواعد على طول السلسلة الجبليّة الغربيّة، وتسمّى بأسماء القرى القريبة منها، نذكر منها: وادي الهدّة، كرم بيرم، بلاطة غربيّة، ضهر صفرا، الزوبة، كعبيّة فارش، بعبدة، زاما، الشراشير، بسيسين، وصولاً إلى قاعدة حميميم حيث تشكل حزاماً متراصاً، يعمل فيه العنصر الروسي منفرداً.
وهناك مناطق استملكت ووضعت تحت إشراف الروس كالكراج الجديد في بانياس، وقطعة أرض بالقرب من مسامك القلوع، القريبة من مدينة جبلة”17″.
– القواعد الجوية الروسية والعسكرية الجديدة في المنطقة الوسطى من سوريا
في 11 ديسمبر 2017 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن ثم وزير دفاعه سيرجي شويغو أن الجيش الروسي سينسحب من سوريا للعودة إلى قواعده في روسيا”18″.
وفي الواقع عادت بعض الوحدات العسكرية، واستبدلو بها قوات أكثر عدداً، وأضافوا أربع قواعد جوية هي:
* القاعدة الجوية العسكرية في تياس
(المعروفة أيضاً باسم T-4) في محافظة حمص غرب تدمر، وهي أكبر قاعدة جوية في سوريا، حولها الروس لتصبح المركز الرئيس للعمليات الجوية في وسط سوريا. وكذلك قاعدة طوارىء بديلة في حال استمرار استهداف قاعدة حميميم بقذائف الهاون والطائرات المسيرة، وكانت صحيفة كوميرسانت الروسية قد قالت استناداً إلى مصادر دبلوماسية عسكرية “إن سبعة طائرات قد دمرت في أقوى هجوم على القاعدة الواقعة بالقرب من اللاذقية”19”.
ويوفر مطار “تياس” الدعم الجوي للعمليات العسكرية في شرق سوريا بما في ذلك محافظة دير الزور. ويعدّ مركز تجمع الميليشيات الإيرانية الرئيسي الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، لنقل الأسلحة ورجال الميليشيات الشيعية العراقية المخلصين من جنوب العراق إلى سوريا، ونتيجة الضربات الإسرائيلية للمطار، انسحبت منه الميليشيات الإيرانية لمصلحة القوات الروسية التي دخلت المطار برفقة منظومات صاروخية من طراز أس 300.
وستقوم القوات الروسية التي دخلت حرم المطار الأكثر تحصيناً في سوريا، وفق ما نقلته مصادر محلية، بنشر منظومات دفاع جوي «إس- 300»، مشيرة إلى أن إيران ليست وحدها المنسحبة من المطار،بل شملت التعليمات الروسية تخفيض عدد الضباط والعناصر التابعين لقوات النظام السوري في المطار أيضاً.”20″.
* مطار حماة العسكري
الواقع غرب المدينة، تمكن الروس من السيطرة عليه لتحكمه في المجال الجوي وسط سوريا، وكذلك بالطرق السريعة المركزية والشمالية باتجاه دمشق وحلب. والأهم من ذلك، قربه من قاعدتي حميميم وطرطوس الروسيتين على ساحل البحر المتوسط”21″.
* قاعدة مطار الشعيرات الجوية في محافظة حمص
هو موقع الهبوط الرئيسي لشركات الطيران، تتخذه روسيا مستودعاً لتخزين الأسلحة وقطع الغيار وكذلك رافداً لتعزيزات القوات الروسية والإيرانية. (تعرض لهجوم واسع بصواريخ توماهوك الأميركية في أبريل من عام 2017م). إعادة روسيا تأهيل مطار “الشعيرات” بحسب مراقبين، يتناسب مع حوامات “29 Mi” الحديثة التي ستؤدي مهمات متعددة للتمهيد ومرافقة القوات البرية المقتحمة، بعد تمهيد رئيسي من طائرات السوخوي القاذفة الحديثة “Su-30″ و”Su-34” التي ستتمركز بدورها في المطار. وستؤمن السيطرة الروسية على “الشعيرات” حماية أكبر لمعمل الغاز الروسي بالقرب من الفرقلس، وحقول الغاز المتنازع عليها بين قوات النظام و”داعش”. “22”.
* معسكر الطلائع في مصياف
يقع معسكر الطلائع بالقرب من مدينة مصياف شمال جبل الزاوية الذي حولّه الروس إلى مركز قيادة الفيلق الرابع الذي بدأ تشكيله الصيف الفائت، بقيادة ضباط روس ومن كتائب وألوية من جيش النظام وضباط سوريين ولاؤهم للروس بعيدين كل البعد عن الولاء الإيراني، حيث جرى التركيز على الأقليات من غير العلويين مع وجود ضبّاط علويين لم يكونوا ذوي حظوة عند الإيرانيين”23″.
* الفوج “49” بالقرب من معمل الدفاع في مصياف
يقع معمل الدفاع التابع للبحوث العلمية على بعد أقل من خمسة كيلومترات من معسكر الطلائع، ويشرف خبراء روس إشرافاً كاملاً على جميع المعدّات التي تصنع فيه، ويُعرف عن المعمل تصنيعه لمدافع الهاون والبراميل المتفجّرة بعد عام 2011م”24″. وتركزت في الفوج 49 الذي يحتوي على صواريخ S200 في منطقة الحيلونة غرب حماة ويخضع للإدارة الروسية مباشرة”24″.
* ثكنة جورين العسكرية
أنشئت منطقة إقامة دائمة لفرقة مدرّعة روسيّة في منطقة جورين بسهل الغاب، ونشر فوج مدفعيّة فيها”25″.
* الثكنة العسكريّة في جبل زين العابدين في ريف حماة
تضمّ قوات حرب إلكترونيّة وسطع وتشويش وتنصّت، إضافة إلى نصب راجمات صاروخيّة متطوّرة من طُرُز عدة “سميرتش وأوراغان 27″، تستطيع أن تغطّي ناريّاً منطقة بعمق حتى 90 كم”26″.
* القاعدة العسكريّة الروسية في مدينة تدمر
وصفتها قوّات التحالف الدوليّ ضدّ (داعش) بأنّها ثاني أكبر قاعدة روسيّة تُبنى في سوريا، احتلت أكثر المناطق حساسيّة في تدمر وهي المقبرة الشرقية، ونشرت موسكو فيها آلياتٍ ثقيلة وأنظمة مضادة للطيران وناقلات جنودٍ، كما يظهر في فيديو مسجل للقاعدة الروسية”27″.
* مركز معسكر الفروسيّة الروسي في حماة
يقع بين حيّي الصابونيّة وجنوبي الملعب البلديّ في مدينة حماة، بعد أن كان مقرّاً للفرقة الرابعة. إضافة إلى معسكر “دير شميّل” في منطقة مصياف، وانتشار كثيف في الفوج 45، الواقع جنوب غرب مطار حماة العسكريّ”28″.
– الوجود العسكري الروسي في دمشق ومحيطها
* اللواء 130 في العاصمة دمشق
أول التشكيلات العسكرية التي أنشأها الروس في سوريا وأقواها هو “اللواء 130- مشاة محمول طوعي، وذلك في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، أي بعد تدخلهم رسميا في سوريا بشهرين، وغُلِّف التشكيل بصيغة قانونية تعكس في الوقت نفسه ما يسميه نظام الأسد السيادة الوطنية.
فقد أصدر الأسد مرسوماً بتحويل “اللواء 130- الاحتياطي “إلى “لواء 130- مشاة محمول طوعي” وإنزاله إلى الخدمة الميدانية وتوسيعه، والمرسوم نفسه شمل أيضا “اللواء 145- الاحتياطي”. يصل تعداد اللواء إلى ثلاثة آلاف مقاتل، ويقوده 43 ضابطا و140 متطوعة، ومركز دوراته في منطقة الديماس بريف دمشق الغربي، حيث يتلقى المنتسبون إلى الّواء دورات إعداد لمدة خمسين يوماً، ثم يصار إلى فرزهم إلى: الفرقة 4 أو الفرقة 5 أو الفرقة 7 أو الفرقة 14 أو الفرقة 15 أو الحرس الجمهوري، وجميعها تنتشر في المنطقة الجنوبية وفي العاصمة دمشق ومحيطها، الأمر الذي يدل على رغبة الروس في لفّ العاصمة دمشق بحزام عسكري قوي، وفي الوقت نفسه يشير إلى منافسة قوية مع إيران التي تسعى للسيطرة على العاصمة بتغيير بنيتها الديموغرافية ونشر المليشيات الطائفية”29″.
وبحسب الوثائق، فالنسبة الكبرى للمتطوعين في صفوف اللواء 130 هي من الأقليات في العاصمة دمشق ومحيطها، وهذا يشير إلى أن النظام احتفظ في تشكيلاته القوية بعناصره القادمين من مدنه القوية في طرطوس واللاذقية. وتشير الوثائق إلى أن المتطوعات في اللواء 130 هن من مواليد عام 1990 إلى 1995، ومنهن من المواليد بين 1976 إلى 1979، وهذا التفاوت في العمر خلق مشكلات، إذ أتاح الفرصة لمنح امتيازات للمتطوعات من الأعمار الصغيرة بسبب تقديمهن تنازلات جنسية للضباط، الأمر الذي أجبر الكبيرات في العمر على رفع أصواتهن وتقديم شكوى عبر فيديو”30″.
* الوحدات العسكرية الروسية في الغوطة الشرقية
نشرت روسيا وحدات وقطعات مدفعيّة متطوّرة في “الغوطة الشرقيّة” شرق منطقة “البحارية”، لزيادة الفاعليّة الناريّة في أثناء التمهيد الناري لميليشيات حلفائها في اتجاه حوش نصري – دوما، وما تزال وحداتها العسكرية موجودة في تلك المنطقة”31″.
– المراكز العسكرية الروسية في الجنوب السوري
أنشأت روسيا قاعدة عسكرية لها بالقرب من بلدة موثبين في محافظة درعا القريبة من مدينة الصنمين ذات الموقع الاستراتيجي المهم وخزان نظام الأسد العسكري في الجنوب.
وتعد بلدة موثبين ذات موقع استراتيجي؛ لأنها تقع بين طريقي دمشق درعا القديم والجديد، وتبعد عن العاصمة السورية دمشق 45 كيلومتراً وعن درعا 50 كيلومتراً. ونشرت مجموعات قيادة بريّة من ضباط رفيعي المستوى في أغلب الفرق البريّة التابعة لقوات الأسد، أكبرها في الفرقة التاسعة في “الصنمين” في ريف درعا، وتمتلك هذه المجموعات حرية اتخاذ القرار العسكريّ المستقل”32″.
– الفيلق الخامس اقتحام
أعلن في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2016 عن تشكيل “الفيلق الخامس – اقتحام” بتمويلٍ وتدريبٍ روسي لنحو 45 ألف عنصر موزعين على وحدات مشاة وهندسة وآليات واقتحام، وفق ما جاء في بيان: “إن تشكيل الفيلق يأتي استجابة للتطورات المتسارعة للأحداث، وتعزيزاً لنجاحات القوات المسلحة الباسلة””33”.
واشترط البيان على المنضمين، أن يكون الشخص أتم الثامنة عشرة من عمره، وغير مكلف بخدمة العلم، أو فاراً من الخدمة، وأن يكون لائقاً صحياً، وأوضح أن الموظفين يمكنهم الالتحاق بموجب عقد لمدة سنة ويحتفظ الموظف، بجميع الحقوق والمزايا التي يحصل عليها في مكان عمله إلى جانب تلقيه راتباً من الفيلق يبلغ 300 دولار أميركي شهرياً، ويتولى الضبّاط الروس تدريب مقاتلي الفيلق، وكذلك شؤونه اللوجستية والتسليحية، محاولة لمواجهة فشل جيش النظام في معاركه التي خاضها نتيجة نقص كفاءته ومن أجل المحافظة على ما جرى احتلاله من مناطق سبق تحريرها على يد المعارضة، وتبدأ أعمار المنضمين إلى الفيلق من 50 عاماً فما دون، إذ يستقبل الفيلق أعماراً من 17 عاماً إلى 50 عاماً، إضافة إلى استقباله خبرات عسكرية متقاعدة، أو أشخاصاً كانوا قد سُرّحوا أو أقيلوا من العمل لسبب ما. وتتوزع مراكز استقبال المنضمين بالمحافظات في قيادة المنطقة الجنوبية وقيادة موقع دمشق وقيادة الفرقة العاشرة في قطنا وقيادة المنطقة الوسطى في حمص وقيادة موقع حماة وكلية الشؤون الإدارية في مصياف وقيادة المنطقة الشمالية في حلب وقيادة موقع طرطوس وقيادة المنطقة الساحلية في اللاذقية وقيادة الفرقة الخامسة في درعا وقيادة الفرقة 15 في السويداء.
وختمت القيادة العامة للجيش بيانها بتأكيد أن “يحتفظ العاملون في الدولة إضافة إلى الرواتب التي سيتقاضونها من الفيلق بجميع الحقوق والمزايا التي يحصلون عليها في أماكن عملهم من راتب وعلاوات وترقيات وحوافز””34”.
والإدارة العليا للفيلق ستكون روسية عبر ضباط سوريين، والاسم المرشح حالياً لقيادته هو “اللواء طالب بري” القائد السابق للأسطول البحري السوري، وسيكون بداية لحصر الميليشيات الأجنبية في جبهات معينة والتحكم بالمسلحين السوريين كافة الموالين للنظام الذين سينضوون تحت اسم الفيلق الخامس”. وبدأ النظام حملات ترويج للانضمام إلى “الفيلق” تمثلت في رسائل قصيرة عبر مشغلي الخليوي في سوريا، للمواطنين عشوائياً، مع وضع منشورات داخل ربطات الخبز في بعض المحافظات تدعو الشباب إلى التطوع.
وأكّدت مصادر مقربة من النظام أن فكرة تأسيس الفيلق، فكرة روسية لا علاقة للنظام بها ولن يكون له دور إلا في عمليات التنسيق والتجميع فقط. و”سبب إنشاء هذا الفيلق يعود إلى رغبة روسيا في حلّ الميليشيات السورية الموالية للنظام التي باتت عبئاً لا يحتمل في جميع مناطق سوريا، فأينما تحل يحل الفساد والمشكلات، فضلاً عن تحول بعضها إلى مافيات مسلحة غير تابعة لأحد تصول وتجول من دون رادع”. إضافة إلى الرغبة في سحب الشباب السوريين المتطوعين في الميليشيات العراقية والإيرانية، وإلحاقهم في صفوف “الفيلق الخامس” بمغريات مادية ورواتب تصل إلى 150 ألف ليرة سورية (حوالي 270 دولار أمريكي)”35″.
وتكون الخدمة بحسب إعلام النظام في الفيلق بعقد لمدة عام يجدد بناء على موافقة الطرفين، ولن يكون على نمط ميليشيا “الدفاع الوطني” أو “كتائب البعث” الإرهابيتين، وسيشمل اختصاصات عدة، وسيراعي الفيلق التحصيل العلمي والعسكري للمنتسبين، إذ سيستقبل الفيلق في صفوفه أطباء ومهندسين وصحافيين وسيفرزون كل بحسب اختصاصه.
انضم إلى “الفيلق الخامس” عناصر المصالحات في درعا، يترأسه القيادي السابق في فصائل المعارضة، أحمد العودة، في المنطقة الشرقية (نصيب وصيدا وبصر الحرير) وأبو مرشد البردان (قائد سابق في فصيل المعتز بالله) في المنطقة الغربية (طفس داعل وابطع).
وشهد “الفيلق الخامس” انتساب كثير من الشباب في البداية، لكن رفض عناصر المنطقة الغربية القتال ضمن صفوف قوات الأسد في إدلب، أدى إلى حله وإبقاء مجموعات الفيلق في المنطقة الشرقية”36″.
– مرتزقة فاغنر الروسية
تعد مجموعة فاغنر أشهر شركة أمنية روسية، وتماثل شركة بلاك ووتر الأمريكية، يعمل تحت لافتتها مئات المرتزقة الروس، وتتولى -بحسب تقارير صحافية- تنفيذ ما يوصف بالعمليات القذرة في مناطق النزاع المختلفة.
نشأت هذه المليشيا خلال السنوات الأخيرة وبدأت نشاطها في أوكرانيا، ثم برزت بروزا أكبر في سوريا، وخطفت الأضواء أكثر بعد مقتل عدد -تتفاوت تقديراته- خلال غارة أميركية في سوريا في مطلع فبراير/ شباط 2018. وذكرت وكالة رويترز نقلا عن صحيفة “فونتانكا رو” -التي أجرت عدة تحقيقات عن هذه المنظمة- أن تأسيسها يعود إلى خريف 2015، أي المدة التي شنت فيها روسيا غارات دعماً للسلطات السورية.
وذكرت صحيفة لوس آنجلوس تايمز أن تأسيس المجموعة كان عام 2014 على يد العميد السابق في الجيش الروسي ديمتري أوتكين الذي يخضع لعقوبات أمريكية استناداً إلى دوره في الأزمة الأوكرانية؛ حيث قاتل في شرق أوكرانيا إلى جانب المتمردين الانفصاليين”37″.
وقالت صحيفة “آر كي بي” الروسية أن عدد مقاتلي فاغنر تغير بحسب المتغيرات والمراحل، هبوطاً من 2500 في أوج المعارك إلى نحو ألف في المعدل، قبل تقليص أعدادهم صيف 2016. وقالت الصحيفة إن المحاكم ترفض مطالبة عائلات مرتزقة فاغنر الذين قتلوا في سوريا بالتعويض”38″.
وكشف جهاز الأمن في أوكرانيا (SBU)، معلومات عن 206 أشخاص معظمهم (مِن روسيا)، قال إنهم عناصر قوة مسلّحة خاصة تقاتل في سوريا تحت مسمّى “فاغنر”.
وقال جهاز الأمن في بيان – ذكرته وكالة “الأناضول” التركية –” إن مِن بين الأشخاص الـ 206 مَن يحملون جنسيات “أوكرانيا، بيلاروس، أرمينيا، مولدوفا، كازاخستان، أوزبكستان” وذلك إلى جانب المواطنين الروس وهم الأغلبية.”
ولفت جهاز الأمن الأوكراني في بيانه، أن 58 عنصراً مِن قوات “فاغنر” قتلوا في مدينة دير الزور، في شهر شباط/ فبراير الماضي، مشيراً إلى تقارير سابقة حول مقتل أكثر مِن 600 شخص يعملون ـ”مرتزقة ضمن فاغنر” شرق أوكرانيا وسوريا”39″. وسبق أن بثّ تنظيم “الدولة” في وقت سابق، مقطعاً مصوّراً لـ “أسير روسي” يدعى (رومان سيرجايفيتش زابولوتني) وهو روسي الأصل، وأنكرت وزارة الدفاع الروسية حينها فقدان أحد مِن جنودها، لـ يتبيّن أن “زابولوتني” ليس متطوعاً في الجيش الروسي إنما يعمل في قوات “فاغنر” التي تشرف عليها روسيا”40″.
– الشرطة العسكرية الروسية في سوريا
أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشرطة العسكرية عام 2012، وعمل بوتين على تجهيزها لمهمات جديدة تتوافق مع خطته للتوسع الروسي العسكري في الخارج، فهي تراقب تحركات المسلحين، وتحدد مواقعهم، وتكافح التجسس، إضافة إلى مهمات “مدنية” تتضح في تجربتها في سوريا. أرسلت موسكو إلي سوريا قوات مسلحة عام 2015 تحت لافتة محاربة الإرهاب، فيما تدفقت طلائع الشرطة العسكرية خصوصاً إلى هناك عام 2017م.
ومن بين المهمات المعلنة لهذه الشرطة في سوريا:
-حماية أمن القوات العسكرية الروسية المرابطة في طرطوس واللاذقية.
-عقد اتفاقات مصالحة بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة.
-مراقبة التزام الأطراف بوقف إطلاق النار.
-الانتشار في المدن التي يوقف فيها إطلاق النار، لتعمل تلك الشرطة أيضاً على فض المنازعات بين السكان من المدنيين.
-توزيع المساعدات الإنسانية على السكان.
وأولى المدن التي حطَّت فيها الشرطة العسكرية الروسية كانت مدينة حلب التي استعادها النظام بدعم روسي في نهاية عام 2016، لتذهب إليها تلك الشرطة في مطلع 2017.
وكذلك انتشرت الشرطة العسكرية الروسية في الغوطة الشرقية في عقب خروج عناصر الفصائل المسلحة، والحجة في ذلك أن بعض السكان لا يثقون في القوات السورية من جيش وشرطة، ولذا فإن الشرطة العسكرية الروسية أقدر على إدارة الأمن هناك، إلى حين عودة زمام الأمور كاملاً إلى الحكومة السورية.
وضمت الكتيبة الروسية ما بين 300 و400 جندي، يتكونون من مقاتلين شيشان لهم خبرة في حروب المدن؛ حيث شاركوا في معارك الشيشان بين القوات الروسية وجماعات شيشانية مسلحة. ومقر الشرطة العسكرية الروسية يقع في قاعدة حميميم الروسية بمحافظة اللاذقية على الساحل غرب سوريا، وهي قاعدة جوية أُنشئت عام 2015 في إطار توثيق التحالف بين موسكو ودمشق. وبداخل هذه القاعدة يوجد مركز حميميم الروسي، وهو الذي يصدر التكليفات للشرطة العسكرية، إضافة إلى مهماته العسكرية الأخرى”41″.
– نقاط المراقبة الروسية في مناطق خفض التصعيد
أعلن رئيس هيئة الأركان العامة الروسية، الفريق سيرغي رودسكوي نشر قوات بلاده 10 نقاط مراقبة، ونشرت وزارة الدفاع الروسية خريطة توزع نقاط المراقبة التابعة لها في منطقة خفض التصعيد في إدلب التي تضم كامل محافظة إدلب إضافة إلى أرياف حماة وحلب واللاذقية (42). وتتوضع نقاط المراقبة الروسية (بحسب الخريطة) في كل من حندرات، شمال مدينة حلب وتقابل النقطة التركية السابعة المتركزة في عندان. والنقطة الثانية في أحياء حلب الشرقية التي سيطر عليها النظام بعد استسلام فصائل المعارضة وخروجها من هناك في نهاية عام 2016. وتقابل النقطة الروسية الثالثة في بلدة الحاضر النقطة التركية الرابعة المتمركزة أعلى “تل العيس” في ريف حلب الجنوبي. وتخصصت النقاط الروسية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة بتأمين سكة قطار الحجاز التي تصل مدينة حلب بالعاصمة دمشق مروراً بحمص وحماة. واتخذت النقاط من بلدات، أبو الظهور، الشيخ بركة (جنوب سنجار)، أبو دالي (جميعها في المناطق الإدارية التابعة لمحافظة إدلب) وصوران في ريف حماة الشمالي التي تعد نقطة متقدمة شمالاً عن سكة قطار الحجاز في معردس، وتقوم نقطة المراقبة الروسية في صوران إلى جانب حماية سكة قطار الحجاز، بمهمة حماية طريق حماة – حلب الدولي وتقابل النقطة التركية التي انتشرت في مورك. وهي بمنزلة نقطة أمنية لمعبر مورك في مناطق النظام، خصوصاً مع ترجيح فرضية فتح الطريق الدولي. واتخذت نقطة المراقبة الثامنة من الضفة الجنوبية لنهر العاصي وهي المنطقة المواجهة للأراضي الزراعية التابعة لبلدة اللطامنة. وانتشرت النقطة التاسعة جنوب قلعة المضيق التي يسيطر عليها جيش النصر أحد أبرز فصيلين منضويين تحت لواء الجيش السوري الحر في محافظة حماة. وثبتت القوات الروسية نقطتها العاشرة في قرية عين الريحانية جنوب جورين، الواقعة على الطريق الغربي لسهل الغاب الذي يصل بين جسر الشغور في محافظة إدلب شمالاً، وبلدات جورين وعين الكروم ونهر البارد وصولاً إلى مصياف جنوباً. فيما لم تكترث القوات الروسية بكامل غرب إدلب ومحافظة اللاذقية وفضلت عدم انتشارها هناك”43″.
– ثانياً: استراتيجية القوات التابعة لروسيا
تستند استراتيجية القوات التابعة لروسيا على ركيزة رئيسية، هي: تحقيق أهداف التدخل الروسي، وجعل الأهداف السياسية لهذه التشكيلات العسكرية تخدم أجنداتها في احتلالها لسوريا. ويتمثل الإطار العام لهذه الاستراتيجية في إضعاف أي نفوذ محلي أو إقليمي أو دولي في سوريا. وممّا لا شكّ فيه أنّ روسيا تسعى إلى تحقيق أهدافٍ متعدّدة، بعضها واضح ويتمثل سياسيا بدعم نظام الأسد في وَسَط سوريا الغربي، في حين تشمل الأهداف العسكرية الداعمة والحاسمة على تقليص قوى المعارضة وإلحاق الهزيمة بها، فضلاً عن إنشاء قاعدةٍ آمنة لدعم العمليات الواسعة النطاق لمدة طويلة. ويعتمد النجاح في تحقيق هذه الأهداف وغيرها على اتباع استراتيجية عسكرية فاعلة وعلى التطبيق الفاعل للعمليات، ويكمن دور الاستراتيجية العسكرية في تحديد حجم القوات التي نُشرت ونوعها وطريقة استخدامها لتحقيق أهدافٍ محدّدة. ويزداد وضوح شكل الاستراتيجية العسكرية الروسية في سوريا مع استمرار التعبئة ومشاركة القوات الروسية في القتال، ومن الأهداف التي باتت واضحة، خلق انطباع سلبي، داخليّاً وخارجيّاً، تجاه قدرة القوات الحليفة لروسيا “ميليشيات الأسد وإيران” على تحمل مسؤوليتها، ومن ثم إزاحتها من المشهد في أي وضغ. وتعتمد هذه الاستراتيجية على الأساليب الآتية:
– إحباط أي محاولة لتمكين نظام الأسد في السلطة، والعمل على خلق الاضطرابات الداخلية لدى النظام من خلال تبني شخصيات عسكرية منافسة للأسد كـ” الضابط سهيل الحسن”.
– السيطرة الفعلية على الساحل السوري مع موانئه، من خلال قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس العسكريتين، إضافة إلى عدد من المراكز العسكرية في جبال العلويين المطلة على الساحل السوري.
– التحكم الروسي في المناطق الحيوية الخاضعة لنفوذ الأسد، بما فيها المطارات، والمنشآت النفطية والغازية.
– السيطرة على المنافذ الحدودية البرية الداخلية والخارجية، والمعابر الرابطة ما بين نظام الأسد والمناطق المحررة وقسد.
– التغلغل في أجهزة نظام الأسد الأمنية، وربطها بقاعدة حميميم، كـ” إدارة المخابرات العامة”، وباقي دوائر النظام بما فيها “وزارة الدفاع”.
– امتلاك أدوات القوة، عسكريّاً وأمنيّاً، كـ” الطائرات الحديثة من نوع سوخوي، والصواريخ الاستراتيجية”، وغيرها من أسلحة ردع ثقيلة.
– العمل على قمع قوى المعارضة السورية المسلحة، واتباع سياسة “الخطوة خطوة” في قضم المناطق المحررة.
تبرز آثار هذه الأساليب السياسية والعسكرية في مناطق انتشار القوات التابعة لروسيا، إذ تسيطر هذه القوات على أجزاء واسعة من الساحل السوري ومنطقة جبال العلويين، والمنطقة الوسطى ومناطق النفط والغاز في البادية السورية، وفي الضفة اليمنى من الفرات، وكذلك مناجم الفوسفات في محيط منطقة تدمر، وفي التغلغل داخل الجهاز الإداري التابع لنظام الأسد، والتخفي وراء ملف الإرهاب بوصفه جسراً لكسب ود القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في المشهد السوري. ليس الحال كذلك فحسب، بل ثمة تزايد في قدرات القوات الروسية، وتوسع انتشارها، ومنافسة بعض قادتها لـ”بشار الأسد”، كما في “الفيلق الخامس”.
بالنظر إلى هذه الأساليب السياسية وتداعياتها، تتضح أبعاد الاستراتيجية الروسية للتدخل في سوريا التي يمكن وصفها بــ “استراتيجية الاحتلال”، من أجل إحراز تقدّمٍ في تحقيق مصالح أساسية عدة هي: “صقل منزلة روسيا بوصفها قوّة عظمى، وإلزام الولايات المتحدة وأوروبا بالتعامل مع موسكو على قدم المساواة، ومساعدة الأسد في إغراق أوروبا باللاجئين، وصرف انتباه الغرب عن أوكرانيا، وقد وفّرت سوريا ساحة تدريب للقوات العسكرية الروسية، ما شكّل طريقةً لترويج الأسلحة المحلية الصنع لزيادة كمية المبيعات، ووسيلةً لتخفيف قدرة المناورة الأمريكية في المنطقة” “44”. أمّا الأبعاد المحلية لهذه الاستراتيجية، فبكونها تبرز طموحات قادة التشكيلات العسكرية والقوى السياسية التي تعتمد عليها في السيطرة والانتفاع من المناطق الاستراتيجية، ومنها: الموانئ، والمعابر الداخلية والحدودية التي تقدم ميزة التحكم في الربط بين المحافظات السورية، وإمكانية اضطلاعها بدور مؤثِّر في أي حرب قد تندلع بين أطراف الصراع.
لقد تمكنت روسيا من إيجاد موطئ قدم لها في سوريا التي حوّلتها إلى منطقة تغرق في الصراعات المسلحة، والأزمات السياسية والاقتصادية، وقد وجدت من يحققه لها، وفقاً لمشتركات مقبولة، نسبيّاً، تتقاسمها مع شبكة من حلفاء محليين وإقليميين؛ ومن أبرز هذه المشتركات “وأد الثورة السورية، والحدّ من النفوذ الإيراني، وعقد تحالفات استراتيجية مع تركيا، وتمتين العلاقات مع إسرائيل.
– ثالثاً: معارك القوات الروسية والميليشيات التابعة لها ضد المناوئين للوجود الروسي
بعدما شكلت روسيا تدريجياً قوات كبيرة في سوريا، عمادها الفيلق الخامس اقتحام، وصنعت شخصيات عسكرية كـ”سهيل الحسن” لتعبئة طاقات العلويين المنهكة عام 2015م عام التدخل الروسي، خاضت ميليشياتها كثيراً من المعارك في البادية السورية في تدمر، وفي محافظة دير الزور، وأرياف حماة وإدلب واللاذقية، ومحيط العاصمة دمشق، ولكل معركة توقيتها ومتغيراتها واستراتيجيتها، ومن أبرزها:
* معركة تدمر التكتيكية والسيطرة الروسية على مدينة حلب:
ركزت الماكينة الإعلامية الروسية في معركة تدمر على المدينة ذات الصيت العالمي المدرج اسمها على قائمة تراث اليونسكو لصرف النظر عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها ميليشيات إيران على الأرض والروس من الجو ضد أهالي مدينة حلب، وذلك بالتحذير من خطر تدمير “تنظيم داعش” لأعمدة تدمر الرومانية ومدافنها ومعابدها الملكية. ومدينة تدمر التاريخية تتوسط آثارها بادية الشام، وكانت نقطة عبور للقوافل بين الخليج والبحر المتوسط، وإحدى محطات طريق الحرير، وبلغت أوج ازدهارها في عهد ملكتها زنوبيا التي أعلنت قيام مملكة تمكنت من هزيمة الفرس في القرن الثالث الميلادي، وبما أنها وجهة سياحية بارزة يقصدها آلاف السائحين لمشاهدة آثارها التي تضم أكثر من ألف عمود وتماثيل ومعابد ومقابر برجية مزخرفة إضافة إلى قوس النصر والحمامات والمسرح والساحة الكبرى، من هنا ركز الإعلام الروسي على المدينة التاريخية لاستكمال مذبحة حلب، ولصرف أنظار العالم عن الإبادة الجماعية للسكان، فمنذ أن سيطر تنظيم “الدولة” على تدمر، وعواصم الدول الكبرى تتنافس في إبداء قلقها على مصير آثار تدمر التاريخية التي نهبها الروس والإيرانيون وميليشيات الأسد، هذه المشاعر تعكسها المنظمات الدولية في صورة قلق، إذ عدّت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم “اليونيسكو” أن تدمير مسلحي “تنظيم الدولة الإسلامية” لواجهة المسرح الروماني والتترابيلون في مدينة تدمر “جريمة حرب” “45”. في الوقت الذي تتعرض فيه مدينة حلب لعملية تدمير وتطهير شاملة على يد ميليشيات إيران وشبيحة الأسد على الأرض وسلاح الجو الروسي، فيما تتباكى وزارة الخارجية الروسية معربة عن قلقها البالغ تجاه سيطرة تنظيم “الدولة” على تدمر، عادّة المساس بالآثار التاريخية عملاً إجرامياً، بينما كانت تقصف دير سمعان بالقرب من مدينة حلب أهم معالم المسيحية في الشرق”46″.
وبعد إسدال الستار على معركة حلب، أكد قائد إدارة العمليات العامة في هيئة الأركان الروسية، (سيرغي رودسكوي) أن ما أسماه عملية “تحرير” مدينة تدمر السورية من التنظيم، نفذت بإشراف المستشارين العسكريين الروس مباشرة. وأضاف (رودسكوي) أن سلاح الجو الروسي، وقوات العمليات الخاصة الروسية، ساهما مساهمة حاسم في استعادة المدينة من التنظيم. في السياق ذاته، نشرت ما تسمى القناة المركزية لقاعدة حميميم منشورين ناطقين باسمها، قالت فيهما إن “المستشارين العسكريين تحملوا على عاتقهم مسؤوليات قيادة المعركة في مدينة تدمر، ما جعل النتائج تتحقق بصورة أسرع من المعتاد، وهذا ما أكده السيد سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي”.
ويكشف هذا الرد الروسي هشاشة نظام الأسد، وغياب سيادته أمام روسيا التي باتت هي من تعلن استعادة الأماكن والمدن، فيما تعدّ جيش الأسد محض قوات رديفة لها، وتؤكد بتكذيبها لواحد من أكبر الناطقين باسمه أنها غير مهتمة بسمعته أو كرامته وأنها لا تمانع بإذلاله كلما تطلب الأمر. وبذلك تحقق لروسيا السيطرة على مدينة حلب، وعلى تدمر مركز البادية السورية.
– معارك سياسية تطيح بثلاث محافظات لمصلحة روسيا
دارت تلك المعارك بين روسيا وحلفائها من جهة، والمعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى، بهدف تنفيذ اتفاقية آستانة 6، وبعد أن استكملت روسيا وحلفاؤها احتلال منطقة شرق سكة حديد الحجاز تحولوا إلى المنطقة “ب” بدعوى تنظيفها من الإرهاب”، يدفعهم سباق متسارع لحسم الحرب عسكريا، بوصفه خيار روسيا العلني في وأد الثورة السورية، تزامناً مع انسداد الأفق السياسي والخلل الواضح في موازين القوة، ما جعل روسيا وحلفاءها يستثمرون أوراق آستانة في عملية عسكرية واسعة يرسم مسارها أسلحة الدمار الشامل في استعجال واضح لجرّ الجميع إلى حظيرة الأسد، وفرض تسوية سياسية على مقاس الروس قبل استكمال ما يلوح في الأفق من مقاربات المجتمع الدولي والقوى الدولية المؤثرة في الحرب السورية، في سباق متسارع لاقتسام النفوذ، ومهما تباينت التحليلات، فإن مجمل المعطيات تدل على أن المنطقة “ب” وقعت ضحية التلاعب الروسي بمخرجات آستانة، وبتواطؤ علني من الضامنين، ومن قوى الثورة الموقعة على الاتفاق الذي استجابت لتنفيذه كافة أطراف الصراع على الأرض، مخلفة أوضاع كارثية على سكان المنطقة الذين وقعوا بين خيار القتل أو التهجير القسري. وما تزال روسيا في عملية تمدد مستمر على خريطة المنطقة “ب” لتبقى مثار جدل حول تعثر فصائل المعارضة في مواجهة الحملة أو إيقافها. وتمكنت روسيا من نقض اتفاق مناطق خفض التَّصعيد وسيطرت قواتها بالتَّحالف مع قوات الأسد والميليشيات الإيرانية على ثلاث منها، فيما تبقت منطقة خفض التَّصعيد الرابعة والأخيرة “محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية” التي حشدَ لها نظام الأسد والميليشيات الإيرانية القوات استعداداً لإنهاء اتفاق مناطق خفض التَّصعيد بالكامل، قبل أن يأتي اتفاق “سوتشي” ويوقف العملية العسكرية.
وأشار تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن الهجوم العسكري الذي بدأته قوات الحلف السوري الروسي على منطقة خفض التصعيد الرابعة، منذ 10 آب/ أغسطس الماضي حتى دخول اتفاق “سوتشي” حِّيز التنفيذ، في17 أيلول/ سبتمبر تسبب في مقتل 110 مدنيين بينهم 35 طفلاً، و14 سيدة، وارتكاب مجزرتين إضافة إلى 16 حادثة اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة، بينها 5 على منشآت طبيّة”47″. وأظهرت عمليات القصف المكثف والمستمر على منطقة خفض التصعيد الرابعة والأخيرة، على أن ما تقوم به روسيا هو خدعة، فقد أرادت من خلال “سوتشي” تمرير الاتفاق لاستدراج فصائل المعارضة إلى القبول به والتوقيع عليه، ثم تنقض ما لا يتفق مع مصالحها لأنها منذ احتلالها سوريا قبل أربعة أعوام، لا تتعامل مع المعارضة وفق مبادئ قانونية سواء كانت دولية أم كانت هي من استصدرها، وكل ما تبديه من تراجعات ظاهرية قبل بلوغ هدف من أهدافها المرحلية لا يتعدى أن يكون تراجعاً في التكتيك ضمن إطار الاستراتيجية العامة التي رسمتها لنفسها في سوريا.
– رابعاً: تداعيات تشكيل الميليشيات الروسية المسلحة على التحالف الروسي- الإيراني
يشكِّل وجود القوات الروسية والقوات المدعومة منها، تهديداً للعلاقة التحالفية بين إيران وروسيا؛ بفعل محاولة الروس الهيمنة على سوريا، وتسخيرها للميليشيات المسلحة في تحقيق مصالحها، وبما يهدد الأمن القومي السوري، فضلاً عن الوجود الإيراني. ويتجلى ذلك في ما يأتي:
– التداعيات العسكرية
مع اكتمال العام الثامن للثورة، يتضح اختلال التوازن العسكري بين روسيا وإيران في سوريا، بتمكن روسيا من تكوين تشكيلات مسلحة في مناطق النفوذ الإيراني، في الجنوب السوري، وفي مناطق حماة واللاذقية والبادية السورية، وعلى امتداد واسع من الضفة اليمنى لنهر الفرات، لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها، بينما تواجه إيران معارضة إقليمية ودولية على وجودها في سوريا. تبرز معطيات الخلاف الروسي – الإيراني في المشهد العسكري القائم، حيث باتت الميليشيات التابعة لروسيا تسيطر على مجمل مناطق الساحل السوري، وكذلك تهيمن على أرياف حماة واللاذقية وادلب، وثمة تزايد في قدرات هذه القوات، وتوسع انتشارها. وبالنظر إلى هذه الأساليب ونتائجها، تتكشف أبعاد الاستراتيجية الروسية في إضعاف النفوذ الإيراني في إطار التنافس على الهيمنة وذلك بالاستفادة من استقلالية التشكيلات العسكرية التابعة لها ومن ميزة الاستفادة من المناطق الاستراتيجية التي أزاحت الميليشيات الموالية لإيران خارجها ومنها: المعابر الواصلة بين مناطق نفوذ المعارضة وتلك الواقعة تحت نفوذ الأسد، بالإضافة إلى نقاط المراقبة العسكرية المنتشرة في أرياف ثلاث محافظات، علاوة على قواعدها العسكرية في الساحل السوري، وإمكانية اضطلاعها بدور كبير في أي صدام قد يندلع بينها وبين إيران. ويتجلى التحرك الروسي الأخير على منطقة خفض التصعيد الرابعة، في جانب أساسي منه بتصفية حساباتها مع شركائها عبر الميليشيات المسلحة التابعة لها التي شكلتها في سوريا لتمكينها من الهيمنة المطلقة على حساب إيران شريكها في الجريمة المنظمة ضد السوريين، وباتت روسيا وميليشياتها تحيط بمنطقة خفض التصعيد من نقطة السيرياتيل في تل خنزير بريف إدلب الشرقي، وحتى كبينة في أعالي جبال ريف اللاذقية الشرقي.
وبطريقة أو بأخرى، يشبه الانتشار العسكري في سوريا السيناريو الذي اعتمدته روسيا للسيطرة على شبه جزيرة القرم عام 2014. ففي البداية، تتّخذ روسيا خطوات استباقية غامضة ومكتسية بتصريحات قيادية غير واضحة الأهداف، مقرونة ببناء تدريجي للقوات، ومستفيدة من الغطاء الذي تؤمنه لها النشاطات والمنشآت الروسية الموجودة سابقاً في سوريا”48″.
– التداعيات السياسية
تصاعدت التوترات بين موسكو وطهران بسبب الحملة الجوية الإسرائيلية المتواصلة ضد القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، لما تمثله مواقع الانتشار العسكري الإيراني من أهمية في استراتيجيات أطراف الصراع الرئيسة، وارتباطها بالمنطقة المتنازع عليها، ومحاولات كل منها تقوية نفوذها، في مشهد تنافسي بين “إسرائيل” وإيران، وصل إلى المواجهة المسلحة، وإلى تدخل روسي ضاغط لإيجاد تسوية تضمن مصالحها المتماهية مع المصلحة “الإيرانية”، والمتماثلة مع الاستراتيجية الإسرائيلية ما أجبرها على البحث عن حلّ أو حسم، لتحديد موقفها من الصراع الدائر بين المتنافسين.
من هنا، رفض نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، وصف بلاده بالحليفة لإيران في ما يتعلق بوجودها داخل سوريا، مشدداً، أن أمن “إسرائيل” هو أحد أهم أولويات روسيا.
وقال ريابكوف في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية: “نحن لا نستخف بأي طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لدولة إسرائيل”.
وأضاف: “الإسرائيليون يعرفون هذا، وتعرف الولايات المتحدة هذا، وأي طرف آخر، بما في ذلك الإيرانيون والأتراك والحكومة في دمشق. هذه واحدة من أهم أولويات روسيا”.
وقال ريابكوف، إنه من غير الصحيح تصنيف روسيا وإيران حليفتين، وإنما “تعاونا فقط” في سوريا.
وأشار المسؤول الروسي إلى أن “الإيرانيين كانوا مفيدين للغاية عندما عقدنا المؤتمر الوطني للشعب السوري في سوتشي، لكننا لا نتشارك النظرة ذاتها في كل ما يحدث”.
ولفت إلى أن روسيا نجحت العام الماضي في إقناع إيران بسحب قواتها على بعد 85 كيلومتراً من الحدود الشمالية لإسرائيل، مؤكداً أن بلاده كانت “مستعدة للذهاب أبعد من ذلك” في ذلك الوقت، لكن المفاوضات مع إيران تراجعت بسبب إعادة فرض العقوبات الأمريكية، على حد قوله”49″.
ويأتي التراشق الإعلامي بين موسكو وطهران تزامناً مع التطورات العسكرية الأخيرة في إثر استهداف إسرائيل المواقع العسكرية الإيرانية التابعة لفيلق القدس الإيراني بعشرات الغارات الجوية ردّا على إطلاق إيران صاروخا باتجاه مرتفعات الجولان.
وفي سياق الخلاف العلني بين موسكو وطهران، وجّه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإٍسلامي الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، اتهاماً مباشراً لروسيا بالتعاون مع الهجمات الإسرائيلية على سوريا، من خلال “تعطيل منظومتها الدفاعية الصاروخية إس 300 في أثناء هذه الهجمات”.
وقال فلاحت بيشه في تصريح لوكالة “إرنا” للأنباء الإيرانية، بعد عودته من زيارة إلى أنقرة، إن بلاده “لديها نقد جاد لروسيا لتعطيلها منظومة الدفاع الصاروخي إس 300 في أثناء الهجمات الإسرائيلية”، مضيفاً أن ذلك يوحي بوجود “تنسيق بين هجمات الكيان الصهيوني والمنظومات الدفاعية الصاروخية لروسيا في سوريا””50”.
واتهم رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيراني، إسرائيل بمحاولة جر بلاده إلى “ردات فعل” على هجماته لغاية ضرب الاستقرار في سوريا وخلق تحديات جديدة، عادّاً في الوقت نفسه أن تلك الهجمات تستهدف “سوريا وبنيتها الدفاعية والتحتية والأمنية، وليس جمهورية إيران الإسلامية كما يزعم الكيان الصهيوني”، والإحصاءات التي يقدمها الإسرائيليون عن نتائج تلك الحملات “ليست صحيحة ومحض تخرصات”، على حد تعبيره.
وسبق تصريح فلاحة بيشه، ما قاله في سياق آخر، النائب الإيراني بهروز بنيادي، في يوليو/ تموز الماضي “ليس بعيداً أن يضحي الأسد وبوتين بنا من أجل مصالحهم ونتنياهو ودونالد ترمب”.
وهذا يتماثل مع حديث قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق أمير إشل “إنه على الرغم من القوة العسكرية “العظيمة” لإسرائيل، “فإنها ليست قادرة على إخراج الإيرانيين من سوريا”. ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن إشل قوله”لا توجد قوة عسكرية قادرة على إخراجهم من سوريا، روسيا الوحيدة القادرة على إخراج إيران من سوريا”.
على الرغم من الحلف العلني بين إيران وروسيا، إلا أن الطرفين كليهما يعملان لإفشال أي مسعى يمكن أياً منهما من الهيمنة المطلقة على القرار السوري، وذلك في إثر قيام روسيا باستنساخ قوى مؤيدة لها كالفيلق الخامس وعملاء سياسيين وعسكريين على شاكلة محافظ حماة “محمد الحزوري” و”العقيد سهيل الحسن” و”أحمد العودة”، ويساعد موسكو على تحقيق ذلك توتر العلاقات الدولية مع إيران.
وعليه؛ فإن تصاعد الخلاف الروسي – الإيراني، قد يقود إلى خيار الحرب، ولا شك في أن روسيا ستقف –كعادتها- إلى جانب إسرائيل؛ وما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية داخلية وإقليمية، تحد من نفوذ إيران في سوريا والمنطقة، فتتفرغ روسيا لمصلحتها في سوريا.
– خاتمة
تلعب التشكيلات المسلحة التي تتحكم فيها روسيا في سوريا، أدواراً مختلفة في الصراع الدائر، يوجه أغلبها نحو تمكين النفوذ الروسي من المناطق الاستراتيجية التي تسيطر عليها، وقمع مناوئي هذا النفوذ؛ وذلك باعتمادها على أطراف داخلية عسكرية وسياسية تؤثر مصالحها الخاصة على المصلحة الوطنية، وتقدم خدماتها على شكل استرزاق بالانتقال من الحضن الإيراني إلى الحضن الروسي، فأسرعت موسكو إلى استقطاب القوى العسكرية المحلية الخارجة عن سيطرتها، ومعاملتها وفق أساليب تحررها من قيود التبعية الإيرانية بتنظيمها وتدريبها بغية استخدامها وفق أجنداتها سواء ضد إيران أم ضد قوى المعارضة السورية، ولكن لا يعني أنّ التضارب الاستراتيجي الروسي الإيراني إهمال أهمية المصالح الآنية القائمة في المشهد السوري المعقد، ولا تجاهل تأثير ميليشيات إيران، إلا أنه من الواضح أن الخلل في المصالح الاستراتيجية المتضاربة، سيمثِّل محطة فارقة في علاقات إيران وروسيا، لأنه هذه المرة سيستهدف الوجود الإيراني بصورة مباشرة، وبخاصة بعد تصاعد الهجمات الإسرائيلية ضد القواعد العسكرية الإيرانية بموافقة موسكو الضمنية، وهذا ما جعل قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق أمير إشل يقول: “روسيا الوحيدة القادرة على إخراج إيران من سوريا””51”.