باسل عبود |
لقد كانت منطقة شرق الفرات من أهدأ مناطق الصراع في سورية نسبيًا خلال السنوات المنصرمة، أما اليوم فهي على صفيح ساخن في ظل تسارع التصريحات حول مصير تلك المنطقة وسط حديث عن انسحاب مرتقب للولايات المتحدة من شرق الفرات، ليفجر ذلك الانسحاب المزعوم سيلاً من التكهنات حول مصيرها التي تعد بالغة الأهمية لجميع الأطراف الفاعلة على الأرض.
فالنظام ومن خلفه روسيا بحاجة ماسة للسيطرة على منابع النفط والغاز لإخراج النظام من ضائقته الاقتصادية من جهة، ولتأمين استثمارات للشركات الروسية من جهة أخرى، وقد حاولت ميليشيات النظام أكثر من مرة تجاوز الضفة الشرقية للفرات لتُواجه بردٍّ حازم من قبل الطيران الأمريكي ما جعل النظام يلجأ إلى القوة الناعمة عبر استمالت العشائر العربية وتأليبها على قوات قسد، أو عبر المفاوضات مع الإدارة الذاتية الكردية في انتظار الوقت المناسب للانقضاض على حلفائه السابقين.
أما إيران فترى في منطقة شرق الفرات صلة الوصل بين ميلشياتها في العراق وسورية وجزءًا رئيسًا في مشروعها لإقامة هلال شيعي من إيران للمتوسط، فقد أنفقت المليارات منذ سنوات ما قبل الثورة وإلى اليوم في سبيل نشر مذهبها وإنشاء الحسينيات مستغلة حالة السكان الاقتصادية المتردية.
أما تركيا فهي أكثر من له مصلحة والمرشح الأول للسيطرة على شرق الفرات بناءً على مجموعة من العوامل:
أولا: كون حزب الاتحاد الديموقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) المسيطر على الأرض منظمة إرهابية في عيون تركيا، ويشكل خطرًا على الأمن القومي التركي، ما يُعطي المسوغ القانوني للتدخل في أي وقت لمكافحة الإرهاب.
ثانيا: إقامة المنطقة العازلة المتفق عليها بين أنقرة وواشنطن، التي تهدف لحماية الحدود الجنوبية لتركيا من خطر الانفصاليين، وتهيئت الظروف المناسبة لعودة طوعية لحوالي 3.5 مليون سوري يعيشون في تركيا.
ثالثا: لقد عكست الانتخابات البلدية الأخيرة حالة التقارب بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة وبين الكرد كمواطنين، فقد استطاع الحزب الفوز في عدد من الولايات ذات الغالبية الكردية لتظهر النتائج بوضوح أن خلاف أنقرة مع المنظمات الانفصالية الكردية وليس مع الكرد كشعب على عكس ما يُروج له الانفصاليون، وهذا ما سيمهد الطريق أمام العمليات التركية المتوقعة قريبًا.
سيبقى كل ما سبق مجرد تحليلات وتكهنات حتى معرفة طبيعة الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات هل هو حقيقي أم اسمي؟!
وأي من الوعود الأمريكية المتناقضة سينجز، فقد وعدت بإعطاء تركيا المنطقة العازلة، ثم جرى الحديث عن قوات عربية لمنع تركيا من نشر قواتها،
كما دعمت الميليشيات الكردية بكل الوسائل، ثم أعلنت انسحابها من مناطقهم وتركهم لمصيرهم المجهول.
وهل الخلافات بين أنقرة وواشنطن حول صفقة صواريخ إس 400 بين أنقرة وموسكو هي أحد الملفات التي تُعيق العمليات المرتقبة لتركيا، أم أن الأخيرة قد حسمت أمرها بالتدخل شرق الفرات ولو منفردة كما وعدت بحل تلك القضية بعد الانتخابات البلدية إما سلماً أو حرباً؟! لا شك أم أن الأيام القليلة القادمة ستحمل في طياتها أجوبة عن بعض تلك الأسئلة، وأن القرار النهائي فيما يخص شرق الفرات قد اتُخذ إما سلماً أو حرباً.