سلوى عبد الرحمن |
صحن واحد من (الملوخية) هو كل ما تبقى من وجبة الأمس، ولا وقت لطبخ وجبة جديدة تستهلك مزيدًا من الجهد بعد عناء عمل اليوم، لعل كل ما أحتاجه صحنًا من المقبلات المكون من الخضار وآخر من البطاطا المقلية مع قليل من الكاتشب لأنهي طعام الغداء، وبهذا سيغفل الجميع عن صحن (الملوخية) المُحبب للجميع.
كم نحن، معشر النساء، مدبرات حين نُدير مطابخنا ببراعة خاصة في وقت الأزمات، وهذا يشبه الغوص في أمور السياسة التي تحتاج إلى خبرة وعلم في حيثيات القضايا المتعلقة بشؤون الدولة الداخلية والخارجية. والسياسيون أيضًا يصنعون وجبات خفيفة أو دسمة، ولكل مقاديره ونكهاته حسب متطلبات أزماتهم، تمامًا كما نفعل نحن ربَّات البيوت، فكل وجبة يلزمها مكونات معينة وبهارات مختلفة، تأتي كلها حسب احتياجات أفراد الأسرة بما يلبي مذاقهم.
ولعلنا نتساءل كيف تعامل النظام السوري مع الشعب السوري في بداية الاحتجاجات باعتبارها أزمة قد تطيح به أو بكرسيه؟
بعد أربعين عامًا ولأول مرة تذوق السوريون طعم “الحرية والكرامة” فما كان من النظام إلا أن قدم لهم طبق “المؤامرة الكونية” مضافًا إليها قبضة أمنية مُسلّحة متبلة بالقمع مع إضافة الكثير من الإعلام المضلِّل للخليط ورشة بهارات من قانون الطوارئ وملح الاعتقالات لتخويف المتظاهرين.
يقدم المطبخ السياسي للنظام السوري أطباقًا متنوعة بمذاقات مختلفة وطرق سهلة بأقل التكاليف الممكنة، أشهر هذه الأطباق وأطيبها مذاقًا طبق “الإرهاب” الذي يُعدُّ من أدسم الوجبات العالمية، وكل ما احتاج إليه لإعداد وليمةً دعا إليها أشهر طباخي السياسة العالمية بل ونافسهم في إعداده وتقديمه، هو مزج “المتشددين” مع كل الأطباق وقليل من الديمقراطية الباردة، بجانبه صحن من الديكتاتورية الحار كنوع من المقبلات، وهذا الطبق “الإرهاب” كان كافيًا لزيادة إقبال دول العالم على الولائم والعزائم على مطبخ النظام السوري باعتباره غنيًا بالموارد التي تسهم في زيادة موارد الدول المشاركة في الحرب.
وبما أننا وصلنا إلى المقبلات، فما علينا سوى الفصل بين أنواع السلطات لإعداد طبق “الديمقراطية” الذي يدل على إشراك الجميع دون تمييز بين طائفة وأخرى خلال تقديم الوجبات، تمزج مكونات هذا الطبق وفق متطلبات “الدستور” مع قليل من بهارات “حرية التعبير” وقوانين معدلة غنية بحقوق الطباخ وطائفته.
أما طبق الانتخابات، فيحتاج إلى شرائح محشوة بـ “الوعي الشعبي” وقليل من معجون النزاهة ونكهات مخصصة بالانتخابات الشكلية المحسومة، ثم يطبخ على نار الشفافية الهادئة، ويزين بأعشاب أنثوية معطرة لتقديمه.
على موائد “سوتشي وأستانا” استباح العالم دماء السوريين بحجة إيجاد حل للأزمة التي لم يتوصل فيها قادة مطابخ السياسة إلى خلطة تناسب مذاق السوريين، وكثر الطباخون والمطابخ بازدياد الأزمات، إلا أن السوريين ما يزالوا يطالبون بطبقهم المفضل “الحرية والكرامة” والسؤال: هل سيتمكنون من الاستحواذ عليه بعد أن تذوقوا أطباقًا متنوعة بنكهات ممزوجة بتخاذل ساسة العالم؟!