منيرة حمزة |
إلى اليوم لاتزال أقوال الجدات والأمهات ونصائح الجارة أو أي شخص مؤثر في العائلة مصدرًا طبيًا صحيحًا معتمدًا لا غبار عليه، ويتم العمل به عند التعرض لأي وعكة صحية أو مرض سواء كان المريض طفلًا رضيعًا أو شابًا، إذ لا فرق في الوصفات المتبعة، فالجّدات موسوعة طبية متوارثة في العائلة ولديهنَّ خبرة قديمة، وقد رَبينَ جيلاً معافى دون الحاجة إلى زيارة طبيب حسب ما تروي لصحيفة حبر “أم جميل” وهي أم لثلاثة أطفال لا تتباخل عليهم حين المرض بتنفيذ أي وصية من وصايا أمها بدءاً من اليانسون وليس انتهاءً بوضع الزيت على الحرق تمامًا كما تصنع أمها!
فهل ما هو متوارث عن الجدات في التعامل مع الأمور الطبية صحيح أم أن الأمر خلاف ذلك؟
تقول أم جميل: “طوال عمرنا نعطي الولد يانسون عندما يُصاب بمغص، ونغلي الكمون، وكلنا تربينا عليه”
إن أم جميل كغيرها من النساء المُربيات لا تجد في إعطاء الأعشاب للرضع أمرًا فيه خطورة على الطفل رغم أن الدراسات الطبية أكدت أن الطفل لا يُعطى شيئًا من الأعشاب قبل عمر الستة أشهر، وأن اليانسون لديه تأثير ضار على الجهاز العصبي للطفل، ويُمكن أن يسبب في عدة اختلاطات تُؤثر على تركيز الطفل.
هذا ما أكده طبيب الأطفال “أحمد الأحمد ” لصحيفة حبر حيث قال: “إن العادات والتقاليد الخاطئة والخرافات الطبية المنتشرة في المجتمع هي بحد ذاتها كارثة،
ولابد من نشر التوعية بين الأمهات ومخاطر اتباع أي نصائح طبية مجهولة المصدر، كونها لا تمت للطّب بصلة، إنما هي موروث شعبي أوصله لنا العقل الجمعي المتوارث بين الأفراد، والناتج عن تجارب وخبرات الأشخاص أنفسهم.”
وأكد لنا أنه يواجه يومياً عشرات الحالات المرضية الناتجة عن سوء إدارة الأهل لحالة ابنهم الصحية وإخضاعه لتجارب ونصائح المحيط.
ثم بيّن الطبيب عدة مغالطات منتشرة بكثرة استطاع رصدها خلال عمله ويعمل على نشرها لتوعيه الأهل، منها تكحيل الوليد بالبصل لزيادة نظره! لكن حقيقة الأمر خطيرة لأن ذلك يؤدي إلى إصابة العين بالعمى. ومن الأخطاء أيضًا دهن الحروق بمعجون الأسنان أو الزيت أو القهوة، وكل ذلك خاطئ لأنه يؤدي إلى تآكل الأنسجة والتهاب الجلد، والأغرب هو وضع شيء من صابون للطفل المصاب بالإمساك بدلاً من إعطائه دواء مناسب، أو إعطاء شربة ديدان للطفل بمجرد سيلان لعابه دون تحليل هل هو بحاجة إلى ذلك أو لا! والكثير من الأمور العجيبة التي تُطبق على المريض بدلاً من الأدوية المناسبة.
فما هي الأسباب الكامنة وراء تفشي هذه الظواهر؟
إن غياب الوعي الصحي و الاتباع الأعمى والتقليد غير الواعي والمقارنة بين الجيلين، خلق هذه الشائعات ونمَّاها التي بدورها تغذت على الجهل المنتشر في بعض المجتمعات، بالإضافة إلى انخفاض المستوى المعيشي لبعض الأسر وصعوبة الذهاب إلى الطبيب في كل مرة والاكتفاء بتطبيق الوصفات والإرشادات المطروحة عليها من قبل المُحيط.
إن الثقافة الطبية والبحث عن العلاج المناسب خير من السماع لمقولة (ستي وستك وجارتي وبنت حماي) حتى لو أنهم أنجبوا أطفالاً وتعاملوا معهم بالعادات المتوارثة؛ إذ جلُّ ما يطبق خاطئ ويختلف تأثيره من شخص لآخر.
فلا عذر بعد اليوم لجهل أحدنا لاسيما الأمهات؛ فبوجود المراكز الصحية والتوعية ووسائل التواصل لم يعد هناك سبب لتطبيق كل ما نسمعه، فلكل عصر أدواته، والطب تطور عمَّا كان عليه، فبدلًا من السماع للآخرين علينا أن نقرأ ونتعلم ونسأل المختصين ونحصن أنفسنا من الجهل والشائعات والمغالطات الطبية وغيرها، فأينما حل الجهل وُجدت الخرافة..