عبد الله درويش |
إذا كانت الحياة (قراراً) تتخذه في لحظة ما فتكون حياتك بأكملها انعكاساً لذلك القرار إما نعيماً أو شقاء، فإنه يترتب علينا أن ندرس قراراتنا بتأنٍ وروية، فنحن نستحق حياة أفضل، ومن أمتع الأمور أن ذلك القرار هو من صنعنا نحن، فحياتنا هي ما نقرره.
هل فكرنا جيداً عند وقوفنا على مفترق طرق الحياة أي طرق نسلك؟ هل فكرنا بحلول لمشاكلنا التي تعترضنا بين الفينة والأخرى؟
لو رأيت شاباً يغرق في نهر ويستغيث، فقد يتبادر إلى ذهنك أن ترمي بنفسك مباشرة لإنقاذه، إنك ستغرق بلا شك لو فعلت ذلك، هذا التفكير يُدعى (التفكير السريع) أو (التفكير القزم)
أما لو وقفت أمام مسألة حسابية معقدة فإنك لن تُعطي جواباً مباشراً لها، ستُجهد عقلك، ستبحث في الاحتمالات والنظريات التي يمكن إسقاط المسألة عليها لحلها، هذا التفكير يُدعى (التفكير البطيء) أو (التفكير العملاق)
فما هو التفكير السريع أو القزم؟ وما هو التفكير البطيء أو العملاق؟
التفكير السريع يعمل فيه الدماغ بشكل آلي وبجهد قليل أو معدوم في ظل غياب سيطرة واعية عليه، فعندما قذف ذلك الشخص نفسه في النهر وهو لا يعرف السباحة، لم يُحكم عقله، إنما اندفع بدافع الشهامة والمروءة التي تربى عليها فأصبحت من ثقافته وتقاليده ومن البنى الفكرية لديه، لكنها لم تُؤطَّر بشكل صحيح فتحولت إلى التهور وإلقاء نفسه بالتهلكة دونما فائدة وبشكل عفوي، وما أكثر الأمثلة في حياتنا، كأن تُناصر قريباً لك في صراع مع آخر تلقائياً قبل أن تعرف السبب الذي نشأ الصراع بسببه، وهذا ما يجعل المجتمع مُنقسماً على نفسه.
أما التفكير البطيء فينتقل الانتباه عبر الحواس إلى الأنشطة العقلية الجهدية التي تتطلبه، ويحتاج إلى التركيز والجهد الكبير لخلايا الدماغ، وهذا التفكير يُعدُّ منتجاً خلاقًا، لكن قد يظن الآخرون أن صاحبه بليد المشاعر وغير مكترث، بينما هو يدرس الموقف من كل النواحي ويتفحص سلبيات الموضوع وإيجابياته ويجرب كل الاحتمالات حتى يصل إلى حل المشكلة ويتخذ القرار المناسب.
إن الإنسان يجمع في ذاته بين النموذجين، لكن الواعي هو الذي يستخدم كل نموذج في حينه، فالتفكير السريع يكون أيضاً في الأمور الغريزية، فلو حصل انفجار تراه يلوذ بالفرار أو يقوم بالاختباء دون أن يُدرك ما فعل، ولولا توفر هذا النموذج لمات، وكذلك الشرب في حالة العطش.. وهكذا.
أما التفكير البطيء فيكون في المواقف التي تتطلب جدية في اتخاذ القرار وحل المشكلات التي تعترض الإنسان باستمرار، والتفكير البطيء ينتج التفكير السريع بالتدريج، فعندما يربط الطالب بين المدرسة والضرب مثلاً فإنه سيقوم بالضرب عندما يصبح معلماً دون التفكير بجدوى الضرب الفعلية، إنه كذلك رأى معلمه يفعل.
ومن الجدير بالتنبه إليه ألَّا نتخذ قراراً في حالة الغضب لعدم توازننا الانفعالي، وكذلك لا نُقدِّم وعوداً في حال الفرحة العارمة؛ لأننا نكون قد تكلمنا بعاطفة وبدون بذل الجهد فيما وعدنا به، ومن الضروري التخلص من البنى الفكرية السلبية العالقة في الأذهان واستبدالها بأخرى أكثر عقلانية وانضباطاً، ولنذكر أن العقل الإنساني دائمًا يعمل دون أي توقف، فلنعمله بما فيه الرفعة والسمو لذواتنا وللمجتمع ككل.