معن بكور |
في مجتمعنا يبحث العقل البشري عن كل ما هو غير مألوف ومجهول؛ فسرت عادات سرت بين الناس حتى اللحظة استندت إلى خرافات؛ بعضهم من آمن بها وأيقنها فؤاده واستهوته؛ ومنهم من صرف تفكيره عنها معلناً أنها مجرد خرافة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
وأصل تلك الخرافات والعادات المغلوطة يعود إلى قصة قديمة قِيلت وانتشرت بين الناس؛ وهي أن رجلاً من بني عذرة واسمه (خرافة) غاب زمناً طويلاً عن قومه ثم عاد إليهم حاملاً لهم قصة غريبة، وهي أنه في بعض أسفاره اختطفته مجموعة من الجن وذهبت به إلى مملكتهم؛ ليقع حبُّ جنية منهم في قلبه فيعشقها وتبادله هي الشعور ويتزوجا ويعيش معها في بسط وانشراح وراحة بال؛ وبينما هما في تلك السعادة والفرح يطلب ملك الجن رؤيته وتطليق الجنية منه رافضاً زواجه منها؛ ويطلب منه العودة إلى أرضه وقومه؛ وحين عاد سرد لقومه قصته تلك التي لاقت تكذيباً لكونها ليست من ضمن المألوف لديهم، ولم تستوعبها عقولهم، فأمسوا يقولون عن كل حديث مكذوب يسمعونه (حديث خرافة) وينعتون الشخص الذي يأتي بمثل ما جاء به صاحبهم فيقولون (أكذب من خرافة).
ومن تلك الخرافات التي لاقت رواجاً بين الناس:
ابتلاع الحوت للقمر: وهو أن كثيراً من الناس باتوا مقتنعين لحظة خسوف القمر أن هناك حوتاً ضخماً قد ابتلعه، فيتطيرون بذلك ويتشأمون أيما تشاؤم، ويخرجون إلى الشوارع معهم الصحون والطناجر للضرب عليها مُترجِّين الحوت أن يقذف القمر من فمه ليعود إلى السماء مثلما كان، ومما لا شك فيه أن ذلك خرافة يستحيل أن تصدق، وفي حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، آية وعلامة لذلك “أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده” وأمر بالدعاء والصلاة ليفرج الله عنهم، ولم يُذكر في السِّير والأحاديث ما يدل على أن حوتاً ابتلع القمر أو شيء من ذلك القبيل.
طَرفة العين: كثير من الناس بات يُوقن أن عينه اليمنى إذا طرفت فإن خبراً سارًّا سيوافيه أو ضيفاً غالياً سيأتيه؛ والعكس صحيح فإن طرفت اليسرى فإن أمراً جللاً سيحيط به أو ضيفاً ثقيلاً سيمرُّ عليه.
سكب الفنجان أو الكوب على الأرض: وهو أمر أمسى القاصي والداني يُؤمن به ويستيقن أن فنجان القهوة إذا انسكب على الأرض فإن ذلك فأل حسن ترتسم له الثغور، وأول العبارات التي يلفظها لسانهم (انكب الشر) والأمر نفسه يجري إذا ما كُسر كأس فيقولون: (انكسر الشر) وأي شر انكسر في الأمر غير أن ربة البيت ستقوم بلم قطع الزجاج كيلا يُصاب بها قدم صغيرها فتُجرح ويكون هو الشر لا غيره.
لصق العجين على باب منزل العروس ليلة الزفاف: يقوم بعض العوام في القرى وحتى المدن بإلصاق قطعة عجين تكون جاهزة ليلة زفاف ابنهم؛ حيث إنهم فور دخوله المنزل مع عروسه يقومون بضرب تلك العجينة على باب المنزل، فإن ثبتت مكانها فإن الحب والحنان سيُتوج ذلك الزواج ويكون ميموناً، وإن سقطت فالويل كل الويل لتلك المسكينة التي يظنونها فأل شر لابنهم، ربما لا يتم الطلاق لكن ستكون حياتها جحيمًا لا يطاق خصوصًا إن سكنت مع حماتها.
الحبة الزرقاء: لا تزال أمراً مرغوباً ومحبوباً لدى الكثير من النسوة في مجتمعنا وحتى بعض الرجال، فإن أتى مولود وضعوا في عنقه حبة زرقاء تقيه شر الحاسدين وبذلك حسب اعتقادهم تُصرف عيون المبغضين الحاسدين عن الصغير، وأيضاً إذا ما قام أحدهم بشراء سيارة علَّق أمامه حبة زرقاء لتفادي حوادث السير أو سرقتها؛ وقد وصل الأمر إلى بعض البهائم، فنرى عند كثير من الناس عِقدًا أكثر حباته لونها أزرق يعلقونه في عنق بقرتهم أو نعاجهم لتَدُر عليهم من اللبن والحليب ما يغنيهم ويسعدهم ويصرف عنهم وعن بقرتهم المدللة شر الحاسدين.
الغول: حيوان ليس كالحيوانات المألوفة ولا يظهر إلا بالليل، يتم تخويف الصغار به حتى ينامون؛ وإن لم يناموا تسرد لهم جدتهم قصة الغول خاطف الصغار ومعذبهم؛ فترى صوت شخيرهم يصل إلى بلاد السند والهند بعد سرد تلك القصة المخفية.
الزواج الثاني: وهو لا يتم عند بعض الناس إلا بأمر واحد ألا وهو إذا شربت المرأة من كوب مكسور طرفه، حينها لن ينفعها الترجي، فالزوجة الثانية ستكون عمَّا قريب بين أحضان زوجها وفي بيته تقاسمها كل شيء.
حك اليد اليمنى: وما أكثر انتشارها! حتى باتت عادة، وهي أن الرجل إذا حكته يمينه فإن رِزقاً سيأتيه عمَّا قريب؛ وربما تكون الحقيقة غير ذلك كله، وهي أنه لا يستحم إلا من الجمعة إلى الجمعة.
أوراق الوردة: خرافة عند الفتيات أكثر من الشباب، وهي قيام الفتاة بقطف وردة بيدها ونثر أوراقها وعند كل ورقة تقول: (بحبني) والورقة التي تليها: (ما بحبني) ويا لسوء حظها إن انتهت على ورقة قالت فيها: (ما بحبني) ستكون العنوسة صديقتها في وحدتها إلى يوم توارى في قبرها وهي تنتظر فارس أحلامها على جواد أبيض.
والخلاصة: أن ما سبق ذكره ليس إلا غيض من فيضِ خرافات لا صلة لها بالواقع ولا يُصدقها إلا أعمى البصر والبصيرة والبعيد عن النهج القويم والفطرة السليمة.