“مسار أستانة هو مسار لتعطيل جنيف وليس موازياً له، وهو موافق عليه من قبل الولايات المتحدة، ولا علاقات بين قطر والنظام السوري”
عبد الملك قرة محمد |
تشهد الساحة السورية، لا سيما في إدلب، تطورات عسكرية وسياسية متسارعة وسط اضطرابات وغموض يلف المشهد السياسي والقائمين عليه خارج سورية دون أي توضيح لطبيعة المرحلة الحالية والقادمة. وسعياً لمناقشة هذه التطورات التقت صحيفة حبر السورية الأستاذ “نزار الحراكي” السفير السوري في دولة قطر.
سيادة السفير السفارة السورية في قطر هي السفارة الوحيدة التي تم منحها للمعارضة السورية، في البداية لو نتحدث قليلاً عن السفارة وأعمالها وخدماتها التي تقدمها للسوريين، وأوضاع السوريين في قطر بشكل عام.
السفارة في قطر هي السفارة الوحيدة للمعارضة، وقرار فتحها كان جريئاً من دولة قطر، افتُتحت السفارة عام 2013 وانطلق عملها من خلال الرؤية السياسية التي يتفق عليها غالبية الشعب السوري ويعبر عنها الائتلاف، وكنا نركز من خلال اللقاءات الأخرى على أننا نريد بناء المدنية الديمقراطية والتعددية، بالإضافة إلى العمل القنصلي والخدمات الأخرى، كالتعليم وتسهيل الزيارات.
السفارة أدت دورًا مهماً في البديل عن مؤسسات النظام بما يتعلق بالخدمات القنصلية، كانت تصادق على كثير من المعاملات وتصدر شهادات منوعة منها: (شهادة حسن سلوك، وقيد عائلي، ووثيقة سفر، وتصديق شهادات علمية، وشهادات تأتي من قبل النظام التي غالباً ما تكون مزورة.)
مانزال نعمل بصفتنا سفارة سورية، ونقدم كل الخدمات، ولدينا جداول بأسماء المراجعين سواء في مبنى السفارة أم من خلال الموقع الإلكتروني.
أما عن أوضاع السوريين فهي جيدة، نقدم لهم ما نستطيع، ويوجد مدرسة ملحقة بالسفارة تقوم باحتضان ما يقارب 1100 طالب من أبناء السوريين الموجودين في قطر.
ما هو تعليقكم على عودة العلاقات القطرية مع النظام السوري على مستوى النقل الجوي؟
بداية لا تُوجد علاقات قطرية مع النظام السوري، أما موضوع النقل الجوي فهو اتفاقيات دولية تحت منظمة الطيران العالمي.
وفي بداية الثورة مع استخدام النظام للطيران الحربي لقتل المدنيين، اضطرت الدول، ومنها قطر، لتغيير مسارها، لكن بعد تعرض قطر لحملة الحصار اضطرت أن تبحث عن بدائل للنقل الجوي، فكان قراراها بالعودة إلى المجال السوري، وهذا لا يندرج تحت اسم تطبيع، فالتطبيع يعني فتح سفارة، وهذا لن يحدث، فقطر ما زالت على موقفها وسفارتنا موجودة وهذه أكبر صفعة للنظام.
لو اتجهنا نحو الموقف العربي، ما الذي قدمته السفارة السورية لحشد الرأي القطري والعربي للوقوف مع الشعب السوري؟ وكيف تُقيِّم الموقف العام عربياً؟
الحقيقة أن الموقف العربي هو موقف مخزٍ، فنبيل العربي وأبو الغيط لم يوضحا موقفهما تجاه الثورة السورية، واليوم أصبحت مكشوفة، وكان لي مواقف مباشرة مع نبيل العربي الذي كان ضد الثورة السورية.
لدي علاقات شخصية مع كثير من السفراء العرب، لكن عندما نريد منهم موقفاً نجدهم يتراجعون ويلتزمون بموقف دولهم التي يتبعون لها، وكان للسفارة دور لكنه محدود، والعمل الأبرز يقع على عاتق الائتلاف ولجنة العلاقات الخارجية والهيئة العليا للتفاوض التي زارت بعض الدول.
سيادة السفير أنتم عضو في الائتلاف الوطني ومن الشخصيات المعروفة على مستوى المعارضة السورية وعلى الساحة الدولية بحكم منصبكم، لو نتحدث قليلاً عن الملفات التي تُديرها المعارضة السورية، إلى أين وصلت تطورات عمل اللجنة الدستورية؟
المعارضة السورية للأسف متشرذمة رغم أن الجسم الرئيس فيها هو الائتلاف، لكن دخول روسيا وبعض الدول الأخرى مزق المعارضة وخلق منصات كثيرة كسوتشي والرياض.
خسرنا الكثير بسبب مناطق خفض التصعيد التي كانت حقيقة مناطق استسلام، وللأسف تم ذلك دون رفض الوفد المفاوض، وتم جرنا إلى ما تريده موسكو بما يتعلق بالسلال الأربع (الدستور، والمرحلة الانتقالية، ومكافحة الإرهاب، والانتخابات) والدستور كان مصدر خلاف بيني وبين عدد من أعضاء الهيئة، ورأيي كان أن الدستور مهم، لكن يجب تأجيله إلى ما بعد سقوط الأسد.
وهناك خلافات على قوائم الأسماء المقدمة للعملية الدستورية، فالنظام غير مهتم بهذه العملية، لذلك لا يوجد تحقيق لأي نتائج على الأرض، واللجنة الدستورية ماتزال معطلة من طرف النظام.
مسار أستانة انطلق كمسار عسكري في البداية، ولكنه انتقل ليكون مسارًا لحل سياسي موازٍ لمسار جنيف، بحسب اطلاعكم إلى أين وصلت الأمور في كلا المسارين، وهل الحل السياسي مايزال قائماً؟
مسار أستانة هو مسار لتعطيل جنيف وليس موازياً له، وهو مسار موافق عليه من قبل الولايات المتحدة كونه أدى إلى تعطيل العمل العسكري والاتجاه إلى حل سياسي يميل في حقيقته إلى النظام، والهيئة العليا لا تحرك ساكناً، فالفريق المفاوض في أستانة لا علاقة له بالهيئة العليا للمفاوضات، وهذا يُعطينا تصوراً مقلقاً تجاه العملية السياسية، وما تفرضه روسيا هو الذي ينفذ.
والمطلوب من الفصائل الشريفة أن يتعاونوا من أجل صد الهجوم البربري الذي لا يمكن أن يكون البديل عنه التسليم كما جرى في درعا، وهي فرصة أخيرة من أجل تشكيل جسم واحد يقف بوجه هذه الهجمات.
الخريطة السورية أصبحت مليئة بمناطق النفوذ المختلفة، إيران وروسيا تحاولان السيطرة على الأرض بشكل كامل، بينما تركيا منشغلة بحماية حدودها، والولايات المتحدة قابعة في شرق البلاد وهي تتصرف ببرود، لو تشرح لنا قليلاً شكل هذه الخريطة وتقاطعات المصالح، ما الذي تريده الولايات المتحدة تحديداً؟ وهل من الممكن أن تتقاطع مصالح المعارضة مع المصلحة الدولية؟
من المعروف أنه لا يمكن أن يجري أي شيء في سورية دون رضا إسرائيلي أو موافقة أمريكية، في حين دور تركيا مختلف، فهي دولة مجاورة من حقها أن تُؤمن حدودها من حزب العمال الكردستاني، وهي مخاوف مشتركة بين تركيا والمعارضة السورية لأنها أحزاب تدعو للانفصال.
أما إيران فوجودها في سورية بموافقة أمريكية إسرائيلية، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم، ودخول إيران يهدف إلى تغيير المعادلة ومنع انتصار التيار الإسلامي السني، لكنها لم تستطع التغلب على الثورة، لذلك أتى دور روسيا كضامن لمسألتين: الأولى عدم السماح للثورة بالانتصار، والمسألة الأخرى منع التوغل الإيراني باتجاه حدود إسرائيل والأردن كونها الخط الأول لدول الخليج، مما دفع دول الخليج باتجاه التطبيع مع إسرائيل ضد إيران.
هناك تباين في الخريطة وهي تتغير، كل فترة نلاحظ أن روسيا منخرطة بالملف السوري، وأمريكا تصمت تجاه التمدد الروسي، وهذا الصمت له ثمن، والثمن قد يكون خروج إيران من سورية؛ لأن دورها انتهى.
وهناك صارع نفوذ بين إيران وروسيا، واعتقد أن إيران ستستجيب وتخرج لكن في اللحظات الأخيرة، وستحافظ على المكتسبات التي حصلت عليها في سورية، منها السيطرة على مناطق متعددة، والتغيير الديمغرافي، لا سيما في بعض أحياء دمشق.”
الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد شيئًا من سورية، لكنها تريد إضعاف سورية خدمةً لإسرائيل، وتهيئة هذه المنطقة للقبول بصفقة القرن، فكما نرى لا يوجد دولة عربية تشكل رأس حربة، إضافة إلى انقسام الرأي العربي، وانشغال معظم الدول بشؤونها الداخلية.
يبدو الموقف التركي، الحليف الوحيد للمعارضة على الأرض، ضعيفاً جداً خاصة في التصعيد الأخير على مناطق شمال حماة وجنوب إدلب، والأتراك يتحدثون بالتزامن عن معركة منبج، هل هي صفقة بين الأتراك والروس لتبادل مناطق النفوذ؟ وهل يمكن أن تتخلى تركيا عن إدلب بالكامل، خاصة وأن أحد نقاط مراقبتها اليوم صار ضمن مناطق سيطرة النظام بعد سقوط قلعة المضيق؟ كيف يمكن أن نقرأ التطورات الأخيرة بشكل عام؟
تركيا هي الدولة الوحيدة التي تقف بجانب الثورة، بالإضافة إلى قطر، وتركيا يحكمها حزب ذو توجه إسلامي مما يقلق أمريكا والكيان الصهيوني، خاصة بعد مواقف الحزب تجاه حصار غزة وطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، لذلك تركيا بالنسبة إلى التحالف الصهيوني مصدر قلق ولا بد من كسره من خلال الضغط السياسي والاقتصادي، وكلها باءت بالفشل، والآن يريدون استخدام بعض القوى الكردية ضد تركيا.
الموقف التركي ضعيف ليس من ضعف الدولة، بل من حيث التحالفات المعقدة، لكن نحن نأمل ونثق بالدور التركي؛ لأنه الطرف الذي يقف بجانبنا، والدولة التي تحتضن العدد الأكبر من السوريين رغم كل المحاولات لشيطنة تركيا، لكنها بالنسبة إلينا أصدق من كثير من الدول العربية.
ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به هيئة المفاوضات إذا ما سقطت إدلب؟ وهل هي موجودة بشكل فعلي أم هي معطلة برأيكم؟
الهيئة العليا موجودة، لكنها ذات دور معطل، وتعتمد على عمليتها الوظيفية فقط المتعلقة بالمفاوضات، ومن يفاوض في أستانة لا يرتبط بالهيئة العليا للمفاوضات،
والهيئة دورها مهم لكنها لا تقوم به بشكل فعال وجدي رغم وجود الشخصيات الوطنية المتميزة في الهيئة، وعلينا القيام بدورنا قبل أن يحدث ما نخشاه حتى يكون هناك نوع من المبادرة، ولإيقاف المجازر علينا أن نطالب ونهدد بسحب اللجنة الدستورية وعدم الدخول بأي مفاوضات دون إيقاف العمل العسكري حتى نستطيع أن نفعل شيئًا، لا أن نكون إمعات نفعل ما يُخطط ويُراد لنا.
أخيراً .. الشعب السوري دائماً بحاجة ليسمع من السياسيين الذي يمثلونه حقائق عمَّا يُحاك تجاه أرضه وثورته، وقليلاً ما يتحدث المسؤولون للناس، برأيكم الشخصي إلى أين تتجه الأمور؟ وما هي النصيحة أو ماذا تقولون للشعب السوري داخل سورية وخارجها؟
من حق شعبنا أن يعرف ما يُحاك له، لكن اعتادت المعارضة أن تُخفي الكثير من الأشياء خوفاً أو جهلاً مثلاً اللجنة الدستورية تم التعتيم عليها لفترات، كأن الناس لن تعرف أولا وآخراً، ولاحظنا أن الكثير من أسماء اللجنة لا علاقة لها بالشأن الدستوري والقانوني.
الأمور سيئة جداً لا تبشر بخير بعكس ما يحاول البعض ترويجه، وعلينا أن نقول الحقيقة فما يجري خطير، والاتفاقيات التي تجري بعيدة عن السوريين، وهم لا يعرفون عنها شيئاً، وفي ذلك إهانة للمعارضة التي رضيت أن يكون دورها هامشي.
تحية إلى شعبنا الصامد في ريف حماة وإدلب وريف حلب، وتحية إلى شعبنا في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام الذي يعيشون بظروف صعبة، صحيح أننا مررنا بمطبات وأفخاخ، لكننا لم نخسر المعركة، هي معركة حق وباطل ولا يمكن أن نعود إلى ما قبل 2011 نحتاج إلى تفعيل القدرات وعودة الأحرار والوطنيين، ونحتاج إلى توحيد القوى لتحقيق هدفنا في هزيمة النظام، ونريد أن نمنع تطبيق الأجندة التي تحاول الدول فرضها لنستطيع أن ننطلق من مناطق إدلب إلى تحرير كل سورية.
في الختام نشكر الدكتور نزار الحراكي السفير السوري في دولة قطر على وقته الثمين الذي منحنا إياه ليجيب عن أسئلتنا.