عبد العزيز عباسي |
رواية العصفورية هي رواية من 9 روايات كتبها الشاعر والكاتب ووزير الثقافة السعودي (غازي القصيبي) اعتمد فيها شكل الحوار والسرد بين الشخصيتين الأهم في الرواية وهما: (الدكتور سمير ثابت، والبروفيسور) الذي هو الشخصية المحورية في الرواية، والتي من خلالها أوصل الكاتب أفكاره من خلال أحداث ووقائع عاشتها هذه الشخصية وعاصرتها.
تُعد الرواية وثائقي مزج فيه القصيبي بين أحداث ووقائع لشخصيات سياسية وفكرية وأدبية وعلمية ودينية، فأغلب الشخصيات مشهورة لا يسع القارئ الجهل بها، نذكر منها: (المتنبي، وطه حسين، وإينشتاين، ومحمد عبده، وحافظ إبراهيم..) لكنّ القصيبي ركز على شخصيات أكثر من غيرها مثل شخصية المتنبي، حيث استشهد بأشعاره.
الرواية لم تكن كباقي الروايات تقليدية في تقيد الكاتب بالعناصر الأساسية للرواية، وإن كان هذا التحرر من التقيّد قد أعطَ الكاتب الحرية في جعل هذه الرواية معرضاً لأفكار القصيبي في الشعر والنقد، فهذا لا يعني أنّ القصيبي تناول هذه القضايا بالتفصيل ولكن بطريقة ذكية مختلفة تمثلت في ردود أفعال البروفيسور الذي ألبسه القصيبي ثوب الجنون لعله يستطيع الإفلات من قبضة الرقابة، ويمرر أفكاره بحرية تامة، ويكسب ودَّ وتعاطف القارئ مع هذه الشخصية.
والذي يقرأ الرواية لابدّ أن يتعاطف مع هذه الشخصية التي كانت الدينامو والمحرك الأساسي في الرواية، لا سيّما أنّها شخصية بسيطة محببة، وهذا خطير من جهة لأنها تستطيع تغيير الكثير من الاعتقادات السباقة للقارئ قبل أن يتصفح هذه الرواية وينتقل بين أجزائها، كالفكرة التي تكاد تكون لبَّ هذه الرواية ألا وهي فكرة (عقدة الخواجة) التي نستطيع القول إنّها فكرة طريفة طالت بالنقد شخصيات مهمة في تاريخ العصر الحديث، ومن الشخصيات المصابة بهذه العقدة نذكر مثلاً: (أحمد شوقي، عميد الأدب العربي طه حسين، والعقاد..) ولذا يحتاج قارئ هذه الرواية التركيز على هذه الفكرة لكي يستطيع فك رموز وشيفرات هذا النوع من كتابة الرواية التي تحرض القارئ على البحث والاطلاع على الشخصيات المجهولة لديه للاطلاع على تاريخ حياتها، لأنها تُحيل القارئ إلى أحداث كانت ليست من ضمن ثقافة القارئ.
ولكن ما الذي قصده القصيبي بعقدة الخواجة التي طالت بالنقد شخصيات بارزة في الشعر والنثر وعلى رأسهم البرنس أحمد شوقي والعميد طه حسين عميد الأدب العربي والعقاد رواد الشعر والنثر؟ هل كان مقصده أنّ هذه العقدة تعني حب الذات والإعجاب بها لدرجة تجعل الشخص المصاب بها لا يرى أخطاءه؟ أم هي إعجاب هذا الشخص بالغرب وتناسيه ما قدّمه التراث من أمور أفاد منها الغرب ولم نستطع الاستفادة منها؟
هدف الرواية الأساس هو لفت أنظار القرّاء إلى أنّ الأدب العربي يستحق الدراسة بمعزل عن التأثّر والتأثير، وهو قد يكون مُصيباً بعض الشيء في هذا المجال، لكن ليس هناك أدب لا يؤثر ولا يتأثر هذا إذا سلمنا بأن الحضارة الإنسانية تراكمية ويأخذ فيها المتأخر عن المتقدم وهكذا.
أما الفكرة التي تطرق القصيبي لها أيضًا، فهي قضية تاريخ الرواية والقصة، فبحسب القصيبي هذه الفنون كالقصة والرواية لم يأخذها العرب من الغرب، لكنها فنون أصيلة عند العرب، ويرجع القصيبي ذلك إلى المحاولات التي قام بها كاتب المقامات الأول بديع الزمان الهمذاني، وهنا لا نريد أن نقسو بأحكامنا على القصيبي، فالعصفورية رواية أولاً وأخيراً مُزجت بآراء نقدية وليست كتاب نقد، والرواية في أصل نشأتها ثورية تغييرية تتقاطع مع المقامات في تسليط الأضواء على السلبيات والإيجابيات والبطل فيها واحد أيضاً مع اختلاف كبير بين بقية العناصر، وممكن تصنيف العصفورية على أنّها رواية ذات طابع خاص يستطيع الاحتذاء به الكتَّاب المعاصرون، وخيراً فعل اتحاد الكتاب العرب إذ صنفها ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية، وهي مع روايات أخرى مثل ثلاثية نجيب محفوظ، وذاكرة الجسد للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، تستحق هذا التقييم لأنها تضيف للقارئ معلومات تدل على سعة ثقافة القصيبي، إذ قام في عصفوريته باستعراض عضلاته الثقافية كما يُقال في جوٍ فكاهي محبب.