قال نصر الحريري، رئيس هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، إن نظام بشار الأسد يهرب من الاستحقاقات السياسية بالتصعيد في محافظة إدلب (شمال غرب)، رغم كونها منطقة خفض تصعيد، محذرا من أن خسارتها تعني نسف العملية السياسية قبل أن تبدأ.
وأضاف الحريري، في مقابلة مع الأناضول، أنه “كلما اقتربت العملية السياسة يعمل النظام على التصعيد”.
وشدد على أن “التطورات السلبية على الأرض ستنعكس سلبا على العملية السياسية”.
ومنذ 25 أبريل/ نيسان الماضي، يشن النظام وحلفاؤه الروس والمجموعات الإرهابية التابعة لإيران هجوما واسعا على مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وريف حماة، الواقعة ضمن منطقة خفض التصعيد، المقامة بموجب اتفاق بين تركيا وروسيا وإيران، عام 2017.
وفي العام التالي، أبرمت تركيا وروسيا اتفاق “سوتشي”، لتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وسحبت بموجبه المعارضة أسلحتها الثقيلة من المنطقة، في 10 أكتوبر/ تشرين أول من العام نفسه.
** اللجنة الدستورية
منذ مؤتمر الحوار بين قوى سورية في روسيا عام 2018، ثمة عقبات عديدة أمام عملية تشكيل اللجنة المكلفة بصياغة دستور جديد.
وقال الحريري إن “كل الأطراف متفقة على بيان جنيف (2012)، والقرار الأممي 2254 (2015)، وهناك اتفاق على أن اللجنة الدستورية ليست كل الحل السياسي، ولكن مدخل للعملية السياسية”.
ويطالب القرار الدولي بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية، فيما يدعو بيان جنيف إلى بدء عملية انتقالية للسلطة.
وأفاد الحريري بأنه: حدث تقدم كبير جدا في تشكيل اللجنة، حيث حصل شبه اتفاق على القواعد الإجرائية لعملها، وهناك اتفاق على القسم الأكبر من أسماء من سينخرطون في مناقشة الدستور الجديد.
وزاد بأنه “أصبح هناك اتفاقا على أن اللجنة جزء من القرار 2254، بإشراف الأمم المتحدة، وأعتقد أن موعد انعقاد الجلسة الأولى للجنة لن يكون بعيدا”.
ومضى قائلا: خلال محادثاتنا مع وزير الخارجية التركي، مولود تشاوويش أوغلو (الثلاثاء الماضي)، كان واضحا لنا أن اللجنة قريبة من التشكيل والشروع بعملها.
** الثلث الثالث
الحريري قال إن “النقطة الخلافية الأخيرة هي ستة أسماء، من الثلث الثالث (قائمة الأمم المتحدة)، حيث حُذفت، والنقاش مستمر حول من سيحل محلها؛ فنحن نريد أن يكون هذا الثلث حياديا ومتوازنا، والمفاوضات تجري عليها”.
وتتشكل اللجنة من 150 عضوا، وهي مقسمة بالتساوي بين المعارضة والنظام ومنظمات المجتمع المدني التابعة للأمم المتحدة (التيار الضامن).
وشدد على أنه “إذا تم التوافق على الأسماء والعمليات الإجرائية لن يكون هناك مانع من إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، ودعوتها لعقد أول اجتماع لها في جنيف”.
وأوضح أنه “لا يوجد تاريخ محدد، لكن أعتقد أنه قريب، خاصة إذا نجحت المفاوضات في وقف العمليات العسكرية في إدلب، أما إذا استمرت فيصعُب الحديث عن عملية سياسية”.
** ذريعة الإرهاب
حول هجمات النظام وحلفائه، لاسيما في مناطق خفض التصعيد، قال الحريري إنه: منذ تدخل روسيا (في سوريا عسكريا عام 2015) وهي تدعم النظام، لتحقيق حسم عسكري، لكن الحسابات لم تتحق على أرض الواقع، لكن إذا سنحت لهم الفرصة سيسيطرون على مزيد من الأراضي لصالح النظام، والوصول إلى حل سياسي وفق معاييره.
وأضاف: “في كل مناطق خفض التصعيد كانت تُستخدم التنظيمات الإرهابية ذريعة، وفي إدلب، وبحجة الإرهاب، يتم استهدف المجموعات المدنية والبنى التحتية بشكل مقصود وممنهج باستخدام الطائرات والمروحيات والمدفعية الثقيلة، وسياسة الأرض المحروقة”.
وشدد على أن “الكارثة أكبر من الوصف، فمئات آلاف النازحين نزحوا منها للمرة الثانية، في ظروف صعبة”.
وأردف: “رغم الجهود الكبيرة من تركيا ومنظمات، تجاوز عدد الشهداء 200 والجرحى 700، وتم استهداف 18 مستشفى ومركزا طبيا، و16 مدرسة، لذلك تم تعليق العملية التعليمية”.
وقالت الأمم المتحدة، الجمعة، إن “أكبر كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين تتكشف الآن أمام العالم في إدلب”.
** أهداف النظام
عن أهداف النظام من تلك الخروقات، قال الحريري: “الهروب من الاستحقاقات السياسية، والإمعان باستراتيجية تعتمد على الحسم العسكري، ولا استبعد وجود مفاوضات حول منطقة آمنة يستحيل على النظام دخولها، وهذا لا يريح النظام”.
وتابع: “لذا التصعيد هو ضغط على الفصائل وتركيا، والحجة هي محاربة الإرهاب”.
واستطرد: “تركيا تقوم بجهود كبيرة مع روسيا للضغط لوقف هذه الهجمة العسكرية”.
وأردف: “وقبل أيام اجتماعنا مع سفراء دول أصدقاء سوريا بجنيف، وهي أمريكا وبريطانيا والأمم المتحدة وغيرها، وقدمنا شرحا تفصيليا لما يجري في إدلب، لما يحمل من خطورة بوجود 3.5 مليون سوري، فضلا عن مخاطر موجة نزوح وصولا إلى تركيا ودول العالم”.
وشدد على أن ما يحدث “يتنافى مع أفكار الحل السياسي والحث على عودة المهجرين”.
وحذر من أن “هذه التطورات تخدم التنظيمات الإرهابية، و(تؤدي إلى) تصعيد خارج الحدود السورية، بهجوم قوات سوريا الديمقراطية (المصنفة إرهابية) وقوات النظام على مواقع تركية”.
** جهود تركية
بشأن لقائه مع تشاوويش أوغلو، مؤخرا، قال الحريري، إن “اللقاء كان مثمرا وإيجابيا وضروريا، لفهم ما يجري بشكل حقيقي وواضح وتنسيق الجهود المشتركة لإيقاف عملية التصعيد”.
وأضاف: عمل المعارضة وتركيا مشترك، عبر مطالب حماية المدنيين، والحفاظ على المنطقة كمنطقة خفض تصعيد مؤقت، لحين التوصل إلى حل سياسي حقيقي، وخسارتها تنسف العملية السياسية قبل أن تبدأ.
وأوضح أن “حِمل اللاجئين سيقع على المعارضة وعلى الإخوة الأتراك، وبالمقابل هناك تنظيمات إرهابية لا بد من التخلص منها”.
وأردف: النظام مارس إرهاب ممنهج باستخدامه السلاح المخزن منذ 40 عام ضد مدنيين أبرياء، ونرى ميليشيات إرهابية إيرانية وميليشيات انفصالية، مثل قوات سوريا الديمقراطية، تمارس هذه الأعمال تجاه الشعب السوري.
ورأى أنه “لحل هذه المعضلة يجب التفكير بكيفية حماية المدنيين، والتخلص من التنظيمات الإرهابية، دون استمرار هذه الحجة للروس والإيرانيين والنظام كشماعة في هذه المنطقة، وهذه المقاربة تبدأ بوقف التصعيد”.
** الحكم الانتقالي والانتخابات
بخصوص آفاق العملية السياسية قال الحريري إن “الحل هو بتوافق الدول الكبرى.. ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسون قدم إحاطة لمجلس الأمن (في مارس/ آذار الماضي) تحدث فيها عن خمس أولويات ندعمها”.
وأضاف أن بيدرسون “لم يقل أن اللجنة الدستورية هي كل الحل، وتحدث عن إجراءات بناء الثقة”.
وتابع أن بيدرسون “ناقش مع النظام خلال زيارته لدمشق (أبريل/ نيسان الماضي) ملف المعتقلين، وهناك فريق من الأمم المتحدة سيكون مسؤولا عن هذا الملف، وهذا جيد ويجب إحراز تقدم فيه”.
ولفت إلى أن بيدرسون “تحدث عن أن قرار مجلس الأمن (2254) أوسع من اللجنة الدستورية، ولا بد من الذهاب للسلة الأولى (الحكم الانتقالي) والثالثة (الانتخابات) من الانتقال إلى المرحلة الانتقالية والبيئة الآمنة المحايدة، عبر تشكيل حكم ذو مصداقية شامل وغير طائفي، والاستعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة”.
وشدد على أن “الاهتمام الأكبر هو لإطلاق اللجنة الدستورية، وتفعيل ملف المعتقلين، وكلنا نتساءل بعد تشكيل اللجنة ما هي الخطوة التالية (؟).. هي تفعيل السلتين الأولى والثالثة.. عدم التقدم فيهما لا تمنح أي قيمة للتقدم في عمل اللجنة”.
** ملف المعتقلين
حول ملف المعتقلين، قال الحريري: “عدد المعتقلين في سوريا يبلغ قرابة 300 ألف، ولا يعرف عددهم سوى الجهة المعتقلة (النظام)”.
ومضى قائلا: “هؤلاء يقبعون في سجون النظام العلنية والسرية ومورست بحقهم انتهاكات بالجملة من إهانة نفسية وتعذيب جسدي وموت”.
وشد على أن “قرارات مجلس الأمن نادت صراحة بالإطلاق الفوري للمتعتقلين من كل الأطراف، وفي الفترة الأخيرة لم يحصل أي تقدم في هذا الملف”.
وتابع: قادت جهود للمعارضة السياسية والعسكرية والأمم المتحدة وتركيا عبر مسار أستانة إلى تشكيل مجوعة عمل حول المعتقلين، على أساس تبادل واحد مقابل واحد.
واستدرك: “نشكر هذه الجهود، لكن إطلاق سراحهم واحد مقابل واحد لا يمكن البناء عليه، قانونيا لا ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة المطالبة بالإطلاق الفوري لسراح جميع المعتقلين، ولا يوجد تكافؤ، هناك فصائل لديها بعض أسرى حرب، فيما النظام يعتقل مئات الآلاف من أماكن عملهم ومن الحواجز”.
وختم الحريري بأن “الأمم المتحدة شكلت مجموعة خاصة بملف المعتقلين (…)، ولا بد من تضافر كل الجهود لإطلاق سراح المعتقلين لدى النظام”.
المصدر: الأناضول