أيْ بنيّة، إنك فَارقْتِ الجوَّ الذي منه خَرَجْتِ وخَلَّفْتِ العُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ إلى وَكْرٍ لم تعرفيه وقَرِين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبًا ومليكًا، فكونِي له أمَةً يكُنْ لك عبداً وَشِيكًا. يا بنية، احْمِلِي عني عَشْرَ خِصَالٍ تكن لك ذُخْراً وذِكْراً:الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهُّد لموقع عينه والتفقُّد لموضع أنفه، فلاَ تَقَع عينُه منك على قبيح ولاَ يشم منك إلاَ طيبَ ريح، والكحلُ أحسنُ الحسن الموجود والماء أطيبُ الطيب المفقود، والتعهد لوقت طعامه والهدوء عنه عند منامه، فإن حَرَارة الجوع مَلْهبة وتنغيص النوم مَبْغَضَة، والاحتفاظ ببيته وماله والإرعاء على نفسه وحشمه وعياله، فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير، ولاَ تُفْشِي له سراً ولاَ تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيتِ سِرَّه لم تأمني غَدْرَه، وإن عصيت أمره أوغَرْتِ صَدْر،ه ثم اتَّقِي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحًا والاكتئاب عنده إن كان فَرِحًا، فإن الخصلة الأولى من التقصير والثانية من التكدير. وكوني أشَدَّ ما تكونين له إعظامًا يكنْ أشدَّ ما يكون لك إكرامًا وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطولَ ما تكونين له مرافقة، واعلمي أنك لاَ تَصْلِين إلى ما تحبين حتى تُؤْثِرِي رضاه على رضاك وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت والله يَخِيرُ لك.مجمع الأمثال 2- 262