د. وائل الشيخ أمين |
رواية شهيرة كتبها الإنجليزي جورج أورويل عام 1945 هدف منها نقد النظام الشيوعي في تلك الفترة.
لكنك عندما تقرأ هذه الرواية تجد فيها دروساً عظيمة لفهم منظومة الاستبداد وأسباب فشل الثورات.
تدور أحداث القصة في مزرعة تدعى (مزرعة القصر) تعيش فيها مجموعة من الحيوانات: (خنازير وأبقار وأحصنة وأغنام وكلاب وقطط.)
في يوم من الأيام يجتمع خنزير طاعن في السن بجميع الحيوانات في إحدى الحظائر ليحدثها عن حلم رآه، ويسرد لهم الحلم بطريقة شاعرية تجعلهم يعيشونه، خلاصة الحلم أن الحيوانات ستستطيع أن تتحرر من صاحب المزرعة وتطرده خارجها لتنعم هي من بعده بالراحة والنعيم ولتأخذ هي وحدها جميع محصولات المزرعة دون أن تُعطي شيئاً لذلك الإنسان الظالم الذي لا عمل له سوى تعذيبها وتشغيلها وأخذ خيراته وذبحها.
وقبل أن يسرد لها الحلم استطاع ببراعة لغوية فائقة أن يصور لها أن أصل كل المشاكل التي تعانيه هو الإنسان فقط، وأن الإنسان بطبعه ظالم، أما الحيوانات فكلها رائعة نافعة.
انفض الاجتماع ومات الخنزير العجوز بعد أيام وبقيت الحيوانات على ما كانت عليه إلا ثلاثة خنازير لم تستطع أن تهدأ في التفكير، وبرز هؤلاء الثلاثة كشخصيات قيادية تدعو إلى أفكار الخنزير العجوز بسرية بين الحيوانات، وبدأ الحلم الذي كان خيالاً جميلاً يتحول إلى هدف للكثير من الحيوانات ترى أنه لا بد من تحقيقه مهما كلفها الثمن.
وذات يوم تمادى صاحب المزرعة في استهتاره بالحيوانات بسبب سكره فتركها جائعة لفترة طويلة، فما كان من الأبقار إلا أن حطمت السياج واتجهت إلى صناديق التخزين وعندما شعر صاحب المزرعة بالحركة المريبة اتجه إليها مع عماله وبدأ يجلدها بالسياط، وهنا اندلعت الثورة في المزرعة واستشاط غضب جميع الحيوانات وطردوا صاحب المزرعة ورجاله بعد أن ضربوهم ضرباً شديداً.
ذُهلت الحيوانات ممَّا جرى، لقد نجحوا في مهمتهم وطردوا الإنسان وبقِيت المزرعة لهم، لم يخططوا لهذا العمل الرائع، لكن تكاتفهم وتوحد هدفهم وعمق إيمانهم به جعل شرارة صغيرة تفجر الثورة وتنصرها!
بدأت الحيوانات بعد ذلك بهندسة المرحلة الجديدة، لم يعد اسم المزرعة: مزرعة القصر بل: مزرعة الحيوان.
واتخذت من الإنسان عدواً لها ووضعت مجموعة من الوصايا تعتبر كل من يسير على قدمين عدواً وكل الحيوانات أصدقاء، وتحرم على الحيوانات النوم على السرير أو شرب الخمور أو أن تقتل بعضها.
والذي استلم قيادة هذه المرحلة هم الخنازير بالطبع لأنهم كانوا الأكثر استعداداً وذكاءً.
إلا أن أبرز خنزيرين قياديين لم يكونا متفقين أبداً في أي أمر في إدارة المزرعة، كان أحدهما يدعى (نابليون) شخصية قيادية قوية حريصة على السلطة وتتمتع بذكاء شديد، أما الثاني فيدعى (سنوبول) وكان ذكياً أيضاً ومجتهداً وحاول أن يعمل على تطوير المزرعة والرقي بها.
قام نابليون بأخذ مجموعة من جراء الكلاب فور ولادتهم واحتفظ بهم، ليقوم بتسمينهم وتربيتهم بنفسه ثم في لحظة ما بعد أن كبروا واشتدوا أطلقهم على سنوبول وطرده من المزرعة.
كما تحالف نابليون مع خنزير ذكي طلق اللسان يدعى سكويلر كان يعمل دائماً على تلميع نابليون وشيطنة سنوبول، وراح يحكي للحيوانات كيف كان سنوبول خائناً منذ البداية.
وبدأ يتحول سنوبول إلى العدو الأكبر في اعتقاد الحيوانات وبدأت كل الأخطاء والمشاكل التي تجري في المزرعة يتهم بها سنوبول، حتى لو كانت تافهة ككسر بيضة مثلاً!
ومن أهم الأعمال التي قام بها الخنزير سكويلر أنه جمع الأغنام وبدأ يحفظها نشيداً جديداً، وكانت الأغنام مطيعة طاعة عجيبة وكانت دائماً تردد ما يلقنها سكويلر بدون تفكير متى طلب منها ذلك، وكان يستخدمها سكويلر عندما تحتج الحيوانات أو تحتار فيرتفع صوت الأغنام عدة دقائق حتى يتفرق الجمع.
وتدور أحداث كثيرة في القصة من خلافات ومعارك تحصل مع مجموعات من المزارعين إلا أن المزرعة تبقى بيد الحيوانات.
وتدريجياً وبفضل الكلاب التي تحيط بالخنزير نابليون، وبفضل كلابه الشرسة، وبفضل سكويلر وجوقة الأغنام، بدأ نابليون وثلة من الخنازير المقربين منه يتحولون إلى طبقة علوية وباقي الحيوانات إلى طبقة دنيا.
وبدأ الظلم يعود من جديد بالتدريج وعند كل تفكير بالاعتراض كان سكويلر والكلاب والأغنام يتولون الأمر بالترغيب والترهيب.
وكانت الحيوانات تصدق دائماً ما يقوله سكويلر وكانت دائماً تثق بنابليون ثقة مطلقة ولا تتخيل مزرعة الحيوان بدونه. حتى لو كان الوضع صعباً فهو على أي حال أفضل ممَّا كان أيام وجود الإنسان صاحب المزرعة، إلا أنها بالتدريج بدأت تشك بذلك.
وبدأ نابليون يتعامل مع الناس في المدينة لعقد صفقات تجارية حتى ينهض بالمزرعة ويحافظ عليها، ومع أن هذا الأمر يعتبر خيانة كبرى إلا أن سكويلر أقنعهم بأنه دهاء شديد من نابليون، والتعامل يجب أن يكون محصوراً بالطبع بنابليون.
وبالتدريج بدأت الوصايا القديمة تتبدد وتتبدل، فالخنازير باتت تنام على الأسرة في القصر وتشرب الخمور وأصبحت في مرتبة فوق الحيوانات ولم يعد الإنسان عدواً لدوداً كما كان من قبل.
من الشخصيات الرئيسة في القصة الحصان القوي بوكسر، كان هذا الحصان قوياً جداً ومحبوباً من الحيوانات وكان يحب العمل لأجلها ويرهق نفسه جداً وقلما يستريح، وكلما كانت تظهر مشكلة أو مظلمة كان يفكر قليلاً ثم يتعبه التفكير فيقول:
(سوف أعمل بجهد أكبر، نابليون دائماً على حق).
وبقي هذا شعاره، أن يعمل أكثر وأكثر لخدمة الحيوانات وألا يعترض على نابليون.
وبعد فترة تعب بوكسر كثيراً فباعه نابليون لجزار أتى وأخذه من الحديقة وتم تصوير الأمر على أنه أخذ للمشفى للعلاج ثم مات.
أحد الحيوانات كان مدركاً لكل ما يجري وكان يسخر في نفسه من الحيوانات وكيف كانت تطيع نابليون وهو يسوقها إلى الظلم من جديد، لكنه لم يحاول أن يشرح ذلك لأحد بل كان دائماً يتمتم بهدوء.
وبعد بضعة سنين بدأت وصايا الثورة الأولى تُنسى تماماً وتظهر مبادئ وتعاليم جديدة تمجد الخنازير، وأصبح تغيير الواقع الجديد أصعب بكثير ممَّا كان عليه سابقاً.
وكانت المفاجأة عندما خرج نابليون ذات يوم وهو يمشي على قدمين كالإنسان، وكذلك فعلت الخنازير بعد تدريب طويل.
وفي إحدى الليالي سمعت الحيوانات صخباً شديداً في القصر، تسللت ببطء واقتربت من النوافذ لتشاهد ما يجري.
فوجدت الخنازير جالسين مع مجموعة من البشر يشربون الخمور، وشاهدت أحد أصحاب المزارع المجاورة وهو يثني كثيراً على نابليون وكيف استطاع أن يدير المزرعة على أتم وجه!
ذُهلت الحيوانات وهي تشاهد الخنازير مرتدية الثياب وجالسة على الكراسي تشرب الخمر وتضحك مع البشر.
وبدأت تتنقل بعينها من خنزير إلى إنسان، ومن إنسان إلى خنزير،
لكنها في النهاية لم تعد تستطيع أن تفرق إطلاقاً بين الخنزير والإنسان.
……………..
أعتقد أن دروساً كثيرة قد وصلت لمن قرأ القصة وأن الكثير من الإشارات كانت واضحة، مع وجود أمور ما أحببتها ولكن ما أردت تغيير القصة من باب الأمانة في النقل فأعتذر عن الإشارات المزعجة.
كما أحب أن أشدد على بعض الدروس:
– الثورة وحدها لا تكفي، والوضع السيء ليس سببه الظالم وحده، وإن الظالم لو سقط فإن الشعب سيعيد إنتاج ظالم جديد، تختلف الأسماء وتبقى الممارسات، يغيب الفرعون وتبقى الثقافة.
– الثقة المطلقة بالقيادة ليست أمراً صحياً، بل لا بد من المساءلة والشفافية.
– الانشغال بالأعمال اليومية وعدم التفكير الإستراتيجي كارثة فهو في النهاية يكون خدمة للقيادة المستبدة وإن المستبد سيستغل هؤلاء إلى أقصى درجة ثم يضحي بهم بأي ثمن عندما تنتهي مهمتهم.
– كلما تأخر التفكير بالتغيير أكثر أصبح ثمن التغيير أكبر حتى يصبح شبه مستحيل.
– أكبر تهديد لسلطة المستبد هو الوعي وانتشاره بين الناس، أما الذي يفهم المعادلة جيداً ويبقى سلبياً فلن يؤثر في شيء.
ودروس أخرى كثيرة، أدعوك لإعادة القراءة والتأمل واستخراج الدروس.