علي سندة
أن يصل التفاوض بين الحلفاء في منطقة خفض التصعيد إلى صواريخ التاو والكونكورس والكورنيت بالنسبة إلى الثوار في التصدي والرد على النظام في القصف واتباع سياسة الأرض المحروقة، بعد أن كانت لغة الدبلوماسية هي السائدة، وفتح المعارك بشكل علني بعد تعثر وقف إطلاق النار دون انسحاب مرتزقة النظام من المناطق التي سيطرت عليها مؤخرًا في ريف حماة الشمالي، يعني أن اتفاق سوتشي الخاص بمنطقة خفض التصعيد وصل إلى نقطة مسدودة، أو حدث فيه تجاوز للحدود المرسومة.
حاولت موسكو جسَّ نبض أنقرة والمعارضة في الرد المحتمل، فاتجه الحلفاء إلى معارك كسر العظم على الأرض التي من الممكن أن تُفضي إلى إنهاء الاتفاق المُنعقد في 17 أيلول سبتمبر الماضي فيما لو استمرت المعارك ولم يتم التوصل إلى التهدئة بصورة تُرضي الأطراف والحُلفاء.
المعارك الأخيرة التي شنها الثوار في ريف حماة الشمالي، كسرت سيناريو المعارك (الوهمية) في الغوطة ودرعا وريف حلب الجنوبي التي كانت تُبنى على أساس التقايض، وذلك بعد أن انتقل الثوار من التصدي وخسران القرى أمام سياسة الأرض المحروقة، إلى الهجوم واستعادة القرى التي تجلت في السيطرة الأبرز على كفرنبودة يوم الثلاثاء الماضي مع استمرارية المعارك والتطلع لاستعادة كافة المناطق، والسؤال هنا: لماذا لم تُحرز قوات النظام كعادتها في خرق التهدئة تقدمًا كبيرًا؟ ولم يتم وقف إطلاق النار الذي يأتي لصالحها بغية نسيان المناطق التي فقدها الثوار، وبالتالي تكرار سيناريو قضم المُحرر عقب كل جولة أستانة؟! لماذا أظهرت المعارضة قوتها الفعلية هذه المرة ولم ترضَ وقف إطلاق النار بالمشهد الحالي؟!
إن الحدود المرسومة التي تسيطر عليها المعارضة هي الملاذ الأخير للثوار الذين لو كانت بنادقهم صداحة بأزيز الرصاص متى أرادوا لوسَّعوا تلك الحدود بدل أن يكتفوا بالصد والاستعادة التي جاءت نتيجة الضغط الشعبي الكبير، فالنظام السوري يريد من وراء وقف إطلاق النار وتثبيت الخريطة بوضعها الحالي زيادةَ تأليب الحاضنة الشعبية على الثوار، وبالتالي كان هذا الأمر مرفوضًا، ما دعا أنقرة إلى تبليغ موسكو ذلك الرفض، بالتزامن مع تسليح الثوار بالصواريخ المضادة للدروع التي غيرت مجرى المعركة وأحدث فَرقًا في وقف تمدد مرتزقة النظام.
إن احتمالية انفجار الوضع موجودة في ظل عدم التوصل إلى اتفاق قابل للتطبيق لاستحالة إنجاز اتفاق سوتشي كما يبدو حاليًا، وزيادة الضغط الروسي على أنقرة بفتح معارك على مبدأ البلطجة إن تم السكوت فحلال على الشاطر، وإن لم يتم فالحجة في مكافحة الإرهاب تبقى قائمة، لكن الرد جاء بإظهار الوجه الآخر لأنقرة والثوار عبر معارك الاستعادة، فكانت لغة القوة هي الحل في لجم شهوة موسكو التي تسعى من وراء تلك المعركة، لو تتبعنا خريطة محاور الاشتباك، إلى بسط سيطرتها على القرى الممتدة على طريق حلب_دمشق وطريق حلب_اللاذقية، ثم التوصل مع أنقرة إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى منطقة خفض التصعيد، وبالتالي فتح الطرق الدولية بنفسها واحتكار شريان سورية الاقتصادي دون تقاسمه مع أحد.
توفر أسباب المحرقة والتستر عليها بحجة الإرهاب ومكافحته من قِبل النظام ومن ورائه روسيا ماتزال قائمة، إذ بدأت ملامحها الإعلامية الوهمية تظهر من خلال إعلان النظام وموسكو عن فتح معابر إنسانية للمدنيين في إدلب وسط استمرارية المعارك.
فهل تُفضي لغة العسكرة في اتفاق خفض التصعيد إلى انتهائه وفتح كل الاحتمالات على مصراعيها؟ أم أن موسكو أبلغت أجيرها في دمشق بالكف عن البلطجة وأمرته بالانسحاب لكنه أخذ دور المعارك الوهمية هو هذه المرة؟! وبالتالي العودة إلى خريطة ما قبل أستانة 12 والعمل على تطبيق اتفاق سوتشي الخاص بمنطقة خفض التصعيد بشكل يُرضي كل الأطراف!!