بقلم مدير التوزيع: غسان دنوما إن تبدأ أزمة ما حتى تصحو بعض العقول وتتبلور الأفكار النيرة وتُطرح من الشعب والسلطة، فأزمة المحروقات الأخيرة أشعلت الشعب، فهذا يطالب بضبط السوق وذاك يضع اللوم على الفصائل العسكرية وآخر فكَّر بالطاقة البديلة. الجميع بدأ يُعمل عقله ساعيًا إلى إيجاد حل، لكن السؤال الذي يفرض نفسه أين كانت كل هذه الأفكار عندما كانت المحروقات متوفرة ورخيصة؟! هل نحن شعب يصحو تفكيره في الأزمات فقط؟! وإن كنَّا كذلك يتبادر إلى الذهن سؤال: لماذا نامت عقولنا في بداية الثورة المباركة أم أنها لم تكن تمسنا بشيء؟!إخوتي القرَّاء: لا يهمنا قضية بحدِّ ذاتها كالثورة وغيرها، إنَّما الفكرة هي إلزامية تغيير عقول المجتمع وإعادة ضبطها إن صح التعبير.فالعقل البشري شبيه إلى حد كبير بالقرص الصلب في أجهزة الكمبيوتر، فهو عبارة عن مساحة كبيرة فارغة نملؤها بالمعلومات حسب الاحتياجات. والعقل السوري -على مدى أربعة عقود-مليء بمعلومات سلبية وإيجابية متنوعة معظمها لا يخدم المرحلة الحالية ولا المستقبلية لسوريا.لذلك يجب علينا استبدال عقولنا وآلية التفكير فيها حتى لا نصل إلى مرحلة نفكر فيها فقط بالأزمات، وحسبنا أن نستعرض مثال الثورة السورية كوننا جميعا معايشين لها منذ انطلاقتها حتى الآن. فمعظمنا لمس مدى تحجر بعض عقول المجتمع حول الثورة، فعناد الأكثرية وخاصة شريحة المؤيدين جعل فكرة الثورة بحدِّ ذاتها أمراً مخالفاً لفطرة المجتمع، مع أنهم مقتنعون بفكرة الربيع العربي وحتمية التغيير.حينها تصادم المجتمع فيما بينه لدرجة العداء أحياناً وحتَّى البراءة من الثوار، فظهرت صور عديدة كأن يُعلن أحدهم براءته من أخيه وولده فقط لأنَّهم ثوار أو مؤمنون بفكر الثورة، ومن هنا طرأت فكرة استبدال العقلية المتحجرة المتمسكة برأيها للنهوض بالمجتمع وإعادة صياغته من خلال الثورة.فما هي أفضل الأساليب لتغيير هذه العقول؟ وماذا يجب علينا أن نفعل؟ هل نقابل الجهل بالجهل والعناد بالعناد؟على كل واحد منَّا أن يبدأ بنفسه أولا، فمن غير المعقول أن أقنع الآخرين بفكر معين وأنا لا أطبقه على نفسي، وعندما نتغير نبدأ بنشر التغيير من بيتنا (الزوجة، الأولاد) ثم أصدقائنا، ثم مجتمعنا المحيط بنا.ولكي أنشر ما أؤمن به أبتعد عن منهجية الإكراه وإجبار الآخرين ليؤمنوا بفكرتي، عليَّ البدء باللين وحسن الكلام والدعابة ومقارنة الماضي بالمستقبل الذي أطمح له، لا أطرح الواقع الحالي، فواقعنا مرير، لأننا لو تكلمنا به سنجد أنفسنا ضمن دوامات كثيرة سنهاجم من خلالها بالسرقة والفقر وانحلال الأخلاق وغيرها كثير مما يحتج به شريحة المؤيدين.ولا ننسى أنَّ العقل إن اعتاد أمراً رفض غيره، فمن كان يزعم أنَّه عاش في الماضي برفاهية واستقرار مادي يستحيل عليه أن يفكر بالتضحية التي نقدمها اليوم لأجيال الغد، وهذا الفكر بحدِّ ذاته بحاجة إلى إعادة تهيئة.لنمح القيم المغلوطة التي شببنا عليها مثل (امشِ الحيط وقول يا ربي السترة) فهذا المثل الشعبي الشائع بسلبيته أخذ منَّا حس المبادرة الإيجابية، وجعلنا نعيش عبيداً ولا نفكر أنَّه من حقنا تداول السلطات ونكون قادة بحد ذاتنا.