علي سندة |
مايزال اتفاق سوتشي المنعقد في 17 أيلول/سبتمبر الماضي في عداد الموتى بما يترجم على الأرض فعليًا؛ لاستحالته في التطبيق من قِبل الأطراف خاصة تركيا، وربما لولادته ميتًا، رغم إبلاغ الرئيس أردوغان نظيره الروسي بوتين منذ يومين بضرورة وقف إطلاق النار في إدلب، وتأكيد موسكو أن عملية وقف إطلاق النار متعلقة بأنقرة! على مبدأ (كل مين بشلف على الثاني) لتبقى لغة السلاح حاضرة وبقوة خاصة في القصف العشوائي الذي يطال المدنيين من قِبل موسكو والنظام السوري.
الحليفان (موسكو، وأنقرة) مستمران برمي أوراقهم في المعركة الحالية لكسب الجولة بما يتلاءم والمصالح التي يُنشدانها، فعلى مستوى قرية (كفر نبودة) الإستراتيجية التي تُصبح مع النظام وتُمسي مع الثوار، يتضح لدى الطرفان، خاصة الروسي، ضراوة المعركة وطول أمدها فيما لو استمر التصعيد فضلاً عن جبهة ريف اللاذقية (تلة الكبانة) وإفشال عشرات الاقتحامات من قِبل الثوار حتى الآن.
فما هي الأوراق التي ظهرت إلى الآن من قِبل كل طرف؟ وهل ماتزال سارية المفعول وسيعقبها أوراق أخرى موجودة في جَعبة كل طرف؟!
أما موسكو فهي مذ صعَّد وأرادت تفجير الوضع، بغض النظر حاليًا عن الأسباب والدوافع، بدأت بورقة مكافحة الإرهاب الشماعة الحاضرة دائمًا التي جرَّت معها أوراقًا أخرى تجلت بالقصف العشوائي الذي طال العديد من المدن والقرى في ريف حماة وإدلب، الذي بدوره أوقع شهداء وجرحى، وخلَّف نزوحًا كبيرًا وحرقًا للمحاصيل الزراعية، كل ذلك لزيادة الضغط على أنقرة للرضوخ والقبول بالأمر الواقع والعودة إلى التهدئة بالخريطة الحالية، وبالتالي استمرار قضم المحرر، تبع ذلك القصف العشوائي ورقة أخرى تجلت بالقصف الممنهج على المنشآت الطبية، حيث تم تدمير 22 مركزًا طبيًا، تبع ذلك ورقة فتح المعابر (المدنية) كمعبر مورك، لزيادة الرعب فوق القصف وبث حرب نفسية بالمناطق المحررة عبر دعوة موسكو والنظام الأهالي للعبور إلى مناطق سيطرة الأسد (حفاظًا على أرواحهم) بل وصل الأمر إلى تسيير طائرة استطلاع بالقرب من نقطة مراقبة تركية عند قرية (اشتبرق) أسقطتها القوات التركية المتمركزة هناك، وإلى زيادة التمركز الروسي في مدينة (تل رفعت) شمال حلب ذات الرمزية الثورية بالنسبة إلى المعارضة بعد أن كان الحديث يدور حول تسليمها إلى أنقرة قُبيل اندلاع التصعيد.
أما أوراق أنقرة، فتجلت بزيادة التمركز في نقاط المراقبة وإرسال العديد من التعزيزات وتصريحها بالبقاء في إدلب مهما حدث لوجود الضرورة في ذلك، وتسليح المعارضة بالصواريخ المضادة للدروع، وشن عدة معارك هجومية وأخرى دفاعية على كافة الجبهات من ريف اللاذقية إلى ريف حماة، وكذلك ممارسة الضغط على أوربا من خلال ورقة النازحين للضغط على روسيا، واتحاد الفصائل للمواجهة وسط تعثر التوصل إلى حل.
إن التصعيد الحالي الذي مضى عليه شهر، لا يصبُّ بمصلحة كل الأطراف مهما كانت غايته لدى الجميع، فلا موسكو قادرة على استمرار الطلعات الجوية التي تُكلفها الكثير والذهاب بالتصعيد إلى أبعد ممَّا هو عليه الآن، ولا النظام السوري قادر على استمرار الاستنزاف الحاصل على الجبهات وموت العشرات كل يوم جرَّاء هجمات الثوار المتلاحقة التي تنشط في الليل خاصة وتدمير الآليات، ولا أنقرة قادرة على استمرار تحمل ما يحصل من تصعيد يُنذر بانهيار اتفاق سوتشي علنًا يُوصل المنطقة إلى الانفجار الكبير وفتح المعركة على كافة الاحتمالات.
فماذا يوجد بجَعبة أنقرة بعد أن رفضت عرضًا لوقف إطلاق النار من قِبل موسكو لرفض الثوار ذلك مطالبين النظام بالانسحاب من كل القرى، وعدم ممارسة روسيا ضغطًا على النظام السوري للانسحاب؟ وماذا عند موسكو من أوراق للزج بها بعد توسيعها رقعة القصف والتدمير اليومي؟
ماتزال المعركة مفتوحة، ولغة التفاوض العسكري هي التي ستعكس الحل القادم، إلى جانب مراهنة كل منهما على صبر الآخر ومدى تحمله للوضع الحالي.