عبد الملك قرة محمد |
تمرُّ العملية السياسية السورية بمرحلة صعبة جداً بسبب اتجاه روسيا والنظام إلى اتباع الطرق العسكرية للضغط على تركيا للحصول على مكاسب سياسية، ولتوسيع الأراضي التي يُسيطر عليها النظام السوري.
كما أعلن عدد من مسؤولي العملية السياسية في سورية موت العملية السياسية، وآخرهم كان (نصر الحريري) الذي صرَّح أمس الجمعة أنه لا وجود لعملية سياسية في سورية، وأنها أصبحت بلا قيم. في ظل استمرار هجوم النظام مدعوماً بميليشيات روسية وإيرانية على مدينة إدلب وريف حماة، متجاوزاً بذلك خطوط أستانة، وضارباً بعرض الحائط كل القوانين الدولية.
وفي هذه المرحلة يبرز دور النخب السياسية التي تمارس دورها التوعوي والتحليلي في الكشف عن مخططات النظام العسكرية والسياسية والتحذير منها.
صحيفة حبر التقت الدكتور رياض نعسان آغا العضو السابق في الهيئة العليا في المفاوضات.
دكتور رياض نرحب بك في صحيفة حبر، أنتم قامة ثورية كبيرة وكان لكم دور مهم في العملية السياسية سابقاً، والآن أنتم من أصحاب الرأي السياسي الذي يسبر مجريات الواقع تحليلاً وقراءةً.
لو بدأنا مع حضرتكم من الهيكلية الوزارية للنظام السوري، أنت كنت وزيراً سابقاً ولكم خبرة في طبيعة هذه الوزارات، كيف ترى حكومة النظام بعد أن تغلغلت فيها الأيادي الإيرانية والمطامع الروسية؟ ومع شكلها الهزيل الحالي إلى متى ستستطيع الصمود أمام الغضب الشعبي نتيجة الأوضاع الصعبة؟
“حين قامت الثورة السورية توقف عمل الحكومة، وباتت أجهزة الأمن هي التي تحكم مباشرة، صار مجلس الوزراء هامشياً وخدمياً ولا شأن له بتقرير السياسات التي تفرد بها العسكريون وحدهم. وأدرك بوصفي مارست العمل الحكومي لسنوات، ضخامة الصعوبات التي يواجهها مجلس الوزراء حالياً وهو يقف عاجزاً عن تلبية احتياجات المواطنين الغذائية والخدمية، ولاسيما بعد التردي المفجع لقيمة الليرة السورية والانهيار الاقتصادي، لقد باتت مرتبات الموظفين تعادل أقل بكثير من الحالات من مائة دولار شهرياً، مع تضخم الأسعار، وضياع القرار، وفقدان السيادة الوطنية الحكومية، وفي ظل الاحتلالات، ونفوذ أكثر من عشرة جيوش أجنبية، ووجود أكثر من 60% من مساحة سورية خارج السيطرة أو تحولها إلى ساحة معارك، وفي غياب مؤسسات خدمية مهمة تعرضت للتدمير، هدم الحل العسكري ملايين المنازل وآلاف المدارس ومئات الأفران وأحرق المحاصيل الزراعية والحديث يطول عن انهيارات كارثية ليس بوسع حكومة (أمنية) أن تواجهها، والأخطر هو هجرة الكفاءات من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين وقوى تقنية عاملة ، وليس بوسع إيران أو روسيا ملء هذا الفراغ الخطير رغم مساعي الحكومة لإحلال شعوب أخرى محل الشعب السوري ومنحهم جنسيات وتوطينهم، ومما أراح الحكومة الراهنة أنها تخلصت من المسؤولية عن 13 مليون سوري هم بين نازح ومهجر ومعتقل، ولم تعد مسؤولة حتى عن مليوني معوق وجريح ومشرد في الداخل، وأعتقد أنها ستكون محتاجة إلى بناء عشرات السجون بدل المنازل والمدارس والمشافي لاستيعاب أكثر من مليوني مطلوب للأجهزة الأمنية.”
لو انتقلنا إلى العمل الوزاري في الحكومة المؤقتة نجد حتى اليوم أن وزارات الحكومة المؤقتة لم تأخذ دورها بشكل متكامل، من أين يأتي هذا النقص؟ وكيف يمكننا معالجته وتفعيل كافة الوزارات لتحسين عملها؟
“الحكومة المؤقتة هي هيئة خدمية لتيسير أمور راهنة وملحة للسوريين حسب التوفر في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وهي لا تملك الشروط السيادية أو الاعتراف الدولي، ولا تملك دعماً ماليًّا، وهذا ما يجعل الحكم عليها غير موضوعي؛ لأنها تعيش ظروف استثنائية، أعانهم الله.”
لو تحدثنا قليلاً عن وضع إدلب، هناك تسريبات من بعض السياسيين حول إمكانية وضعها تحت الوصاية الدولية، ما رأيكم بهذا القرار؟ ماذا لو تم تطبيقه؟ وهل تتوقعون ذلك؟
“لا أعتقد ذلك، وأرى أن المجتمع الدولي غير مهتم بوضع إدلب، وقد فوض روسيا بالحل رغم فداحة الكارثة على المدنيين، وأنا أطالب بأن يكون حل قضية إدلب وباقي المحافظات ضمن الحل السياسي في جنيف، الذي ينبغي أن يذعن له الجميع.”
أنتم عضو سابق في لجنة المفاوضات. ما رأيكم بعملها الآن؟ وهل تقوم بعملها على أكمل وجه وبالنسبة إلى الجنة الدستورية؟ هل تعتقدون بأنها ستحقق بعض آمال الشعب السوري ولماذا؟
“لم تبدأ المفاوضات السورية إلى الآن، ولست متفائلاً باللجنة الدستورية، وأنا مع الإبقاء على دستور 2012 مع إجراء تعديلات في صلاحيات رئيس الجمهورية، وبعض المواد التي سبق لي أن حددتها واقترحت بدائلها.”
تناولتم في أحد مقالاتكم سابقاً الأمور التي يجب توافرها لنجاح العمل السياسي أو انتقال السلطة أولها إعادة هيكلة الجيش وأجهزة الأمن، ماهي الأسس الأخرى التي يجب أن تكون متوفرة لضمان حل سياسي يرضي تطلعات السوريين؟
“من أهم مسارات الحل السياسي هو الاهتمام بموضوع العدالة الانتقالية، وهي مسؤولية كبرى لكبح دوافع الثأر والانتقام على الضفتين.”
ما هي الغايات الروسية من هذا الهجوم؟ هل هي غايات سياسية أكثر منها عسكرية؟
“هدف تدخل روسيا عسكرياً هو تمكين النظام وفرض سيطرته النظرية على سورية، لتأمين حضورها المستقبلي عسكرياً واقتصادياً في سورية، وهي تعد الآن فرقاً عسكرية تابعة لها وليس للجيش السوري، والغاية الروسية الكبرى هي الصعود إلى مكانة دولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واستعادة حالة الحرب الباردة، والسعي لاستعادة موقعها التنافسي مع الولايات المتحدة رغم فارق القوى حالياً. لقد أدركت أن احتلالها للقرم لن يكفي للعب دور عالمي، فاختارت سورية واعتبرتها منصة انطلاق وتحدٍّ للمجتمع الدولي لتحقيق الهدف نظراً لأهمية موقع سورية الإستراتيجي. وقد حققت روسيا هذا الحضور على حساب الدم السوري.
وفي نهاية لقائنا نشكر المعارض السوري الدكتور رياض نعسان آغا عضو هيئة المفاوضات العليا سابقاً على هذه الآراء المهمة التي خصّنا بها.