غسان الجمعة |
تسعى طهران لتفجير طوق ترامب الذي يخنقها، وإن جازفت بخطوة جريئة تهدد سلامة رقبتها بعدد من الاستهدافات على مناطق نفطية حساسة وجغرافية مهمة لعبوره، حيث دفعت هذه الضربات بأسعار النفط للصعود بعكس ما تتمناه الدول الغربية وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة نفسها، بل تمسك خامنئي بسياسة السلوك العدواني باعتبارها الخيار الوحيد لإيران (مكره أخوك لا بطل) في مواجهة الولايات المتحدة، وهو ما دفعه لرفض الوساطة اليابانية كونها باب استنزاف للوقت الذي بدأ ينفذ من جعبة النظام الايراني.
الولايات المتحدة تعلم جيداً أن فتح حرب مباشرة مع إيران بمنزلة طوق نجاة للنظام الإيراني من مأزقه الاقتصادي وذريعة يتقي فيها موجة الاحتجاجات التي تظهر هنا وهناك في المدن الإيرانية، بالإضافة إلى أنها فرصة لتمكين جبهته الداخلية المتآكلة بفعل آثار العقوبات على بنيتها الاقتصادية.
بينما تسعى إيران إلى تفجير الوضع بأي شكل بعد أن وصلت إلى طريق مسدودة في براغماتيتها وتماهيها المعتاد بالالتفاف على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارات الأمريكية السابقة، فخلط الأوراق بالنسبة إليها سيولد حتماً أوراق ضغط جديدة ويفقد واشنطن بعض خيوط الحصار الذي فرضته عليها.
الصراع بين الجانبين هو الآن لتحديد مكان المعركة، وهو في العلم العسكري قديماً وحديثاً من أهم عوامل الانتصار لأحد الأطراف، وأحد أهم الأسباب لهزيمة الطرف الآخر فبينما تحاول طهران جرَّ الولايات المتحدة لصدام عسكري مباشر أو عبر وكلائها، فإن الولايات المتحدة لا تدفع بهذا الاتجاه، وقد صرح المسؤولون الأمريكيون بذلك مراراً.
فإيران التي أنفقت مليارات الدولات على مدار السنين الأخيرة لبناء قدراتها القتالية وحاضنتها الميلشاوية في الشرق الأوسط لا تريد أن تذهب أموالها وتجهيزاتها التي انفقتها هدراً دون أن تحقق من خلالها مكاسب سواء في لبنان أم العراق أم سورية، بينما تجنح الولايات المتحدة لإنهاك إيران بتحويل معركتها معها إلى الساحة الاقتصادية بعد أن أثبتت تجاربها السابقة فشل غزوها العسكري المباشر (أفغانستان، العراق).
فالتسويق الأخير لدى وسائل الإعلام والخارجية لدى كلا الطرفين في التعاطي مع استهداف ناقلتي النفط يكشف محاولة كل طرف جرَّ الطرف الآخر إلى حلبة الصراع الملائمة له، في حين تعاملت الولايات المتحدة مع الاستهداف بأنه يُهدد مصالحها وحرية الملاحة والتجارة الدولية (أعطت بُعدًا عالميًّا) بهدف تأليب المزيد من الدول للانضمام إلى حلفها في مواجهة طهران، فردت الحكومة الإيرانية بعرض جهودها لضمان سلامة وأمن الممرات البحرية، وأعلنت عن رغبتها بإطلاق حوار (إقليمي) في إشارة إلى رغبتها بتسوية عزلتها بأقل الخسائر وسحب البساط الخليجي من تحت الأقدام الأمريكية.
الرسالة الإيرانية واضحة بتنفيذ تهديدها بعدم إمكانية تصدير النفط (الخليجي) في حال منعها، وهو ما يمكن استخلاصه من تعقيباتها على حادثة الاستهداف التي أطرتها بسياق أمني إقليمي، بينما كان تعامل الولايات المتحدة يحمل بعداً إستراتيجياً لنفَسها الطويل في حشد الدول في معركتها الاقتصادية مع إيران.
لكن ما مدى قدرة الدول الأخرى على تحمل الاستفزازات الإيرانية في منطقة تصدر ثلث نفط العالم؟ وإلى أي حدٍّ قد تحتمل إيران طوق خنقها البطيء؟ هذا ما ستكشفه الحركة الأمريكية القادمة التي ربما ستجد يوماً ما فاتورة إعلان الحرب أقل من تكلفة استيراد بواخر النفط لاقتصاد يدفع الضرائب لبناء جيوش تُؤمن حرية التجارة وشراهة المصانع.