جاد الغيث |
سمعت من أخصائية نفسية عن شابة تعرضت للاغتصاب من شاب أحبته، وبدأت تشعر بعدها بمشاعر ذنب عميقة، لأنها لم تقاوم الأمر كما يجب.
ولاحقًا قادت مشاعر الذنب هذه الشابة إلى ما يُطلق عليه علميًّا (عصاب الفشل)، وفي هذه الحالة تقوم الضحية بتكرار أفعال تقودها إلى الخسارة في كل مرة، كما يمكن لمشاعر الذنب أن تقود لارتكاب جريمة بُغية تحصيل العقوبة.
وما حدث أن هذه الشابة درست الثانوية ثلاث مرات، وفي كل سنة يوم الامتحان الأخير تنسحب، ممَّا يؤدي إلى رسوبها.
إنها لا شعوريًّا تحظر على نفسها النجاح الحياتي، وتفرض على نفسها الفشل كعقاب لها بسبب (مشاعر الذنب) التي تحملها.
المشكلة الأكبر أن هذه الشابة كانت تعتقد أن (مشاعر الذنب) التي ترافقها مصدرها الدين، والواقع أن الدين لا علاقة له بتلك المشاعر، لا من قريب ولا من بعيد.
وما يحدث معها هو جزء من آلية نفسية بحتة من ألفها إلى يائها.
(مشاعر الذنب) هي التوتر الحاصل بين الأنا الأعلى من جهة وما يقوم به الأنا بالفعل من جهة أخرى، وبتعبير آخر هي الرقابة الممارسة من قبل الضمير الأخلاقي على كل تصرفاتنا ونوايانا وأحاسيسنا.
مشاعر الذنب تجعل الأشخاص يعيشون في حالة شبه دائمة من الإحساس بالخطيئة والإثم خوفًا من الفعل السيء المتوهم (الذي لم يُرتكب بعد) أو الفعل المرتكب، إنهم في حالة خجل من أنفسهم كونهم لا يسيرون حسب القاعدة المرسومة، وبناءً عليه يجدون أنفسهم لا يستحقون السعادة الحياتية.
نُميز بين مشاعر الذنب العادية والمرضية من خلال المدة والشدة والتكرار، فإذا كانت المدة طويلة والمشاعر حادة ومتكررة لدرجة أنها تصل بالفرد إلى حدّ الإضرار بنفسه، وتعيقه في حياته وعمله ودراسته وعلاقاته الاجتماعية، فإننا لا شك أمام مشاعر ذنب مرضية.
كما يجب أن نميز بين مشاعر الذنب ومشاعر الندم، لأن الفرق بينهما كبير وواضح، فمشاعر الندم تتأتى من كون الفعل الخاطئ قد ارتُكب فعلاً، والرغبة المحرمة قد أشبعت وانتهى الأمر.
أما مشاعر الذنب فإنها تأتي من كون الرغبة لم تتحقق بعد، ويصعب أو يستحيل إشباعها، وعليه تختص مشاعر الندم بالماضي، أما مشاعر الذنب فتشمل الماضي والحاضر والمستقبل.
في المجتمعات الغربية لا يوجد كبت جنسي، وعليه لا ترتبط مشاعر الذنب بالجنس كما في مجتمعاتنا، فالأمر مجتمعي أكثر منه ديني، الدين رتَّب عقوبةً تجاه المخالفة الشرعية، وتشدد إزاء الكبائر، كالزنا وشرب الخمر والغيبة والنميمة وقذف المحصنات وغيرها، لكن المجتمع تشدد في تطبيق الدين بما يتعلق بالأمور الجنسية فقط، وربما يعود ذلك لأن الجنس محور تفكير الشعوب المكبوتة والتشدد في منعه يعكس شدة التفكير الضمني فيه.
السبب الرئيس في مشاعر الذنب المؤلمة والمرضية (كما في حالة الشابة) ليس الدين بكل تأكيد، وإنما العرف الاجتماعي السائد الذي يرى أن أي علاقة جنسية خارج إطار الزواج هي جريمة لا تغتفر بالنسبة إلى الفتاة، أما الشاب في المجتمع فله شأن آخر، وهذا لا يمنع من تعرضه لمشاعر ذنب مرضية في حال ارتكابه لمخالفة جنسية.
مع العلم أن الإسلام أمر بستر المعصية الجنسية، وجاء بحد الزنا مع استحالة تطبيقه، فمن ذا الذي يرتكب الزنا أمام أربعة شهود، وبالتالي فإن عقوبة الزنا كما يرى فقهاء الإسلام هي عقوبة على العلانية التي جعلت الشريكين في مرأى عيون أربعة شهود، وهذا استهتار بالأخلاق لا يقبل به المجتمع المسلم.
كما أن الإسلام لم يميز في عقوبة الزنا بين شاب أو فتاة، وإنما جاء هذا التمييز من أعرافنا القاسية والظالمة.