ناهد البكري |
في تأكيد للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” خلال عملية غصن الزيتون، التي انطلقت بتاريخ 20 كانون الثاني من العام2018 والتي سيطر بموجبها الجيش التركي وفصائل قوى الثورة والمعارضة على مدينة عفرين، أن تركيا ماضية في التوسع بتلك البقعة على حدودها، حيث قال: “اليوم نحن في عفرين، وغداً سنكون في منبج، وبعد غدٍ سنطهّر شرقي الفرات” والكلّ عينه على منبج، وكل طرف يرسم خريطته للمرحلة المقبلة، فالنظام يطمح لاستعادة سيطرته على منبج كمدخل للعودة إلى باقي مناطق شرق الفرات، وتركيا تريد التمدد في مناطق انسحاب الجيش الأمريكي في منبج الذي لم ينفذ بعد على أرض الواقع.
الموقف الأمريكي من دخول تركيا منبج
بعد أن شهدت العلاقات التركيا الأمريكية شداً وجذباً، بدأت سياسياً وتطورت حتى الجانب العسكري، تدخلت الولايات المتحدة في الأزمة السورية عبر دعمها لقوات “قسد” ذراع وحدات(ب ي د) العسكرية الموجودة في الشمال السوري على الحدود التركية متجاهلة بذلك الموقف الرسمي التركي الذي يصنفها على أنها منظمات إرهابية تهدد الأمن القومي التركي وتهدد سلامة أراضيه، ولكن الولايات المتحدة عمدت إلى تحسين موقفها مع تركيا الحليف الأكبر في حلف الناتو، وقد بدا من خلال الاتفاق على خريطة الطريق بشأن منبج، والتي تنص على سحب حزب (ب ي د) قواته إلى شرق الفرات، وإشراف أمريكا وتركيا على تشكيل مؤسسات محلية وأمنية في المدينة خلال مدة ستة أشهر من بدء الاتفاق.
تراجع العلاقات التركية الأمريكية وعلاقة منظومة صواريخ إس 400.
قرار تركيا شراء نظام الدفاع الصاروخي إس400 من رسيا أنذر أمريكا بضرورة عدم السماح لأنقرة أن تنزلق إلى الحضن الروسي، الأمر الذي كان سببه بالأساس تصاعد الخلافات التركيا الأمريكية، بعد دعم الأخيرة لوحدات حماية الشعب الكردي، منذ 2015 لجلي تنظيم الدولة الإسلامية في سورية، في حين أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها نظام إس 400 من روسيا، وعرضت واشنطن على تركيا شراء منظومة باتريوت، التي وافقت عليها أنقرة لكن دون المسّ باتفاقية سلاح إس400 من روسيا وتهدد واشنطن بتعطيل اتفاقية تسليم تركيا الدفعة الأولى من صفقة طائرات إف-35 بسبب التقارب التركي مع روسيا.
تناقضات أمريكية
يبدو أن التوترات الأمريكية التركية أبعد من موضوع إس400 هناك أزمة ثقة بين الطرفين تراكمت وزادت وتيرتها بالدعم الأمريكي للوحدات الكردية، ولكن لا يمكن التخلي عن بعضهما؛ لأن هناك حاجة إستراتيجية لدى الطرفين، وتركيا تعلم جيداً الفارق بين علاقتها مع روسيا وعلاقتها مع الولايات المتحدة، وفي تولد حالة عدم الثقة التركية لدى الولايات المتحدة ما كانت تركيا لتقف مكتوفة اليدين، وبالتالي توجهت لروسيا، وتركيا وصلت اليوم إلى مرحلة متقدمة والتهديدات ليست جديدة، ومع اقتراب تسليم منظومة إس400 من قبل روسيا يجب على تركيا أن تتخذ قرارًا نهائيًّا إما بتسلم المنظومة وتحمل العقبات الأمريكية التي من الواضح أنها لن تكون سهلة وإما التخلي عنها والدخول في أزمة مع روسيا، مع صعوبة المعادلة، إلا أن تركيا تعمل على سياسة عدم قطع العلاقات مع أي طرف، وأكدت على أن العلاقات مع روسيا ليست بديلة عن الولايات المتحدة، والعلاقات مع الولايات المتحدة ليست بديلة عن روسيا.
وماذا بعد؟
المشهد السوري في شمال شرق سورية معقد جداً، هناك قوات أمريكية فعلية على الأرض لم تنسحب حتى الآن، وهناك قوات روسيا لديها نفوذ كبير في الأراضي السورية، وهناك قوات فرنسية، وقوات محلية مختلفة على الأرض، وبالتالي هناك تركيبة معقدة على الأرض وتركيا تحاول جذب جميع الأطراف وتجمع المعطيات الصحيحة والتحرك على الوجه الصحيح، وفي ظل جميع ما يحصل من مجريات وأحداث وتصادم مصالح الأطراف المتصارعة في سورية، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة على مصراعيها، وبالتالي فإن أي عمل عسكري من أي طرف سيخلط الأوراق في المشهد السوري والذي بالأصل هو معقد، وتبقى منطقة شرق الفرات ومنبج على صفيح ساخن.