جاد الغيث |
يوم الجمعة 13 من تشرين الثاني 2017، كان يومًا أسود داميًا، احتفظ بذاكرته أسماء شهداء أبرياء سُجلت بالدم في سجل إجرام النظام السوري، الذي ماتزال جرائمه مستمرة للعام التاسع على التوالي.
كنت قد دُعيت في التاريخ المذكور أعلاه لحضور عرس جماعي، يضم ما يزيد عن أربعين عروسًا وعريس من مختلف المناطق المحررة والمهجرة معًا.
لم أستطع حينها السفر إلى حيث العرس، ولكن في مساء اليوم التالي كنت حاضرًا في عزاء جماعي يُشبه العرس ولكن بلون آخر.
كانت مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، قد نسيت صوت الطائرة الحربية، فالفترة التي كنا نمر بها وُصفت بتخفيض الأعمال القتالية، وصارت الأتارب وماحلوها وكثير من المناطق الأخرى أماكن آمنة من القصف الروسي ومن قصف نظام طائرات النظام السوري.
سوق الأتارب يعجُّ بالناس وينبض بالحياة ويبيع إلى جانب المواد الاستهلاكية الفرح بما هو عامر، بائعون يقفون أمام بسطاتهم، وألوان لا تحصى من الفاكهة والحلوى تمت…
في الجزء الثاني من الحدث، على سطح الجنة، فجأة تُفتح الأبواب السبعة، تتزين الحور العين، وتفوح رائحة مسك تصل إلى أهل الأرض، العروسان في مقعد من لؤلؤ ونور، والحضور وجوه يعرفونها، بعضهم أخوة وأهل وبعضهم أقارب أو أصدقاء، في خيمة الرجال أحدهم أخ العريس الشهيد أو ابن عمه أو ابن خاله، والآخر ابن عمته أو ابن خالته، وآخر جاره أو ابن حارته، وفي منزل أم العريس التي ارتدت ثوبًا أبيض، نسوة كلهنَّ أمهات أو أخوات لشهداء، قلوبهنَّ تنبض بالصبر والعطاء وحب الحياة، إحداهنَّ فقدت زوجها وابنها ووالدها، وأخرى لم يبقَ من عائلتها أحد غيرها، يسمونها (أم الشهداء)!
على الأرض يبكون وفي السماء يضحكون، هو عزاء وعرس جماعي حقًا، كانت بطاقات الدعوة لحضور الزفاف السماوي مزركشة بألوان زاهية، وترمى من الطائرة الحربية بعناية ودقة، صحيح أنها لم توزع على جميع من كانوا في سوق الأتارب، إلا أنها كانت تحمل التاريخ نفسه، فالشهداء الذين وصلوا متأخرين، كانوا مايزالون مرتبطين في الدنيا بجروح خطيرة، وحين تحرروا من جراحهم وألمهم وصلوا إلى ساحة العرس السماوي بسرور غامر.
البعض الآخر من الجرحى كان يتمنى أن يستعيد قواه بأسرع وقت ليعود إلى ساحة الحياة، إنهم يريدون أن يتحرروا من أسرَّة المشافي ويعودوا لبناء محلاتهم التي تهدمت بالقصف، ويشتروا ثيابًا جديدة لأطفالهم ويبتسموا للحياة برضى.
مرَّ ما يقارب عامين على ذكرى تلك المجزرة الأليمة، وماتزال طائرات النظام وروسيا تخلف المجازر واحدة تلو الأخرى، فهمي مستمرة وتنقل المزيد من الشهداء إلى عالم السماء، مجازر يومية تُشتت شمل الناس الأبرياء على وجه الأرض، وتلم شملهم كشهداء من جديد على سطح الجنة، وهذا هو حال سورية الجريحة، فكل يوم يُشتت شمل هنا ويُلم شمل هناك.