سيرين المصطفى |
” رغم كثرة الموت الواقع حاليًّا بيننا إلا أن هناك قسم من الناس لم يتعظ وغابت عنه الإنسانية، فالطيران أرحم من سوء المعاملة التي تعرضنا لها خلال النزوح. ” هكذا بدأت (أم أنور) الأربعينية حديثها لنا عن معاناتها في نزوحها الأخير جراء الحملة العسكرية على ريفي إدلب وحماة التي خلفت دمارًا عمَّ المناطق وتسببت بمقتل وجرح مئات المدنيين، الأمر الذي أجبر سكان المناطق المنكوبة للمغادرة شمالاً.
من الصعوبات التي أثرت بشكل كبير على نزوح الأهالي، غير غلاء أجور المنازل وصعوبة تأمينها ودفع إيجارها، استياء النازحين من نظرة الازدراء وسوء التعامل الذَين بدرا من بعض سكان المناطق التي قصدوها، إذ بدلاً من أن يتعاطفوا معهم كونهم أتوا من تحت القصف وهم بأصعب الأحوال، بادلوهم بتلك النظرات التي فضلت السيدة (أم أنور) قصف النظام عن تلك المُعاملة التي لمستها من البعض أثناء نزوحها.
صحيفة حبر التقت مع بعض النازحين الذين تشابه كلامهم في مَثل واحد، “اللي بيطلع من دارو بيقل مقدارو” (أم أنور) تُكمل حديثها واصفة نزوحها وما عانته:” سكنت في منزل بطابق ثاني، تحته تقطن جارة تكره ضجيج الأطفال، إلا أن أولادي صغار، فكلما قاموا بحركة صعدت إلينا لتتشاجر معنا، ممَّا أجبرني على استعمال الضرب معهم بهدف ضبطهم، كانت أول مرة أقسو عليهم بهذا الشكل، أحيانًا، مع ذلك لم تتوقف الجارة عن المشادات الكلامية، وذات مرة أتى إلينا ضيوف، فخرجت إليهم وهم يصعدون الدرج وشاجرتهم فأحرجتني أمامهم، لم أستطع أن أمسك نفسي، فقلت لها: والله القصف أهون منكم وأنَّبتها.”
أما عائشة(مدرسة لغة إنجليزية) من كفرسجنة فتروي لحبر: “كنت أرفض كليًّا أن أخرج من منزلي، إلا أن شبان العائلة أجبروني على الخروج خشية أن أقع بين أيدي جيش النظام في حال سيطروا على المنطقة، اتجهت إلى إدلب قاصدة السكن مع طالبات جامعيات، فمكثت خلال شهر أيار، ثم طلبْن مني المغادرة بحجة اقتراب الامتحان الذي يتطلب جوًّا من الهدوء للدراسة، علمًا أنهنَّ مستأجرات مثلي، وأنا دفعت معهنَّ كل ما يتطلب من تكاليف، ثم أصبحنَ يتجاهلنني في البيت كأني لست موجودة وغيرها من التصرفات “المولدنة” ويقلنَ إن الجميع معترض على وجودي، فغادرت المكان، علمًا أني كنت بوضع حرج.”
لكن ما جرى مع (مريم) كان مُختلفًا، تقول: “نزحنا من قرية كفرنبودة إلى حارم، فدلونا إلى منزل جيد نوعًا ما بعد أن قلبنا حارم رأسًا على عقب، ثم اتفقنا مع صاحبه على السعر سعر تم تحديده، لكن المكان كان يحتاج إلى تنظيف، فبدأت وأمي وأخواتي بالعمل، بعد أن انتهينا بنصف ساعة تقريبًا عاد صاحبه، ليطلب منَّا الخروج وغير رأيه بحجة أن قريبه طلبه منه وأنه سيعطيه لقريبه بدلاً منَّا.”
وأما قصة (أم علي) نازحة في قاح كانت من نوع آخر ينم عن جشاعة لدى صاحب البيت، تقول: “نحن عائلة كبيرة، استأجرنا دارًا مؤلفة من غرفتين منذ بداية القصف، بعد مرور فترات قصيرة من الإقامة طلب صاحب البيت منا أن نخلي له غرفة من البيت كي يؤجرها لنازحين جدد، فقلنا له: كيف يمكن لعائلة كبيرة فيها شباب وبنات أن ينحشروا في غرفة واحدة؟! ولأننا لم نوافق أعطانا مهلة حتى نخلي له البيت.”
وغيرها من الشكاوي التي سمعناها من أفواه النازحين بألم وقهر، تُعلقت الحاجة (أم حسين) على ذلك قائلة: “ما بيلم الواحد غير حيطان بيتو”. لينطبق على النازحين جراء معاملة بعض السكان أهل المنطقة قول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهندِ