غسان الجمعة |
يبدو أن المحادثات التي أجراها جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية في أنقرة حول سورية لم تثمر في تهدئة المخاوف التركية من خطر قسد على طول حدودها، غير أن مقترحات جديدة حملها المبعوث الأمريكي في جَعبته طالب وزير الدفاع التركي بعدها الأمريكيين بالرد الفوري عليها قبل شروع أنقرة في تطبيق خطتها التي أتمت مراحلها النهائية لطرد الانفصالين وتأمين حدودها وعودة (اللاجئين السوريين) إلى بلداتهم وقراهم.
إن الفرص التي منحتها أنقرة للدبلوماسية في سبيل حل مسألة قسد كان فيها للوسيط الأمريكي دور يحمل في مسعاه تحقق توافقات بين الطرفيين، وقد نجح الأمريكيون من خلال مقترح المنطقة الآمنة بالحد من تصاعد حدة النوايا بين الطرفين، لا بل اتجهت مسارات الدبلوماسية إلى تفصيل عمق المنطقة وكيفية إدارتها وغير ذلك من الخطط التي تُشير إلى إمكانية الوصول إلى تحقيق تطمينات لمخاوف الطرفين وإيجاد حل على أرضية الحوار، فما الذي يدفع أنقرة لتسريع سرعة الحسم الآن؟
البداية كانت من انتخابات إسطنبول عندما أرسل عبد الله أوجلان عبر محاميه رسالة لقادات حزب الشعوب الديمقراطي بعدم التصويت لأي من الأحزاب والتزام الحياد في العملية الانتخابية، وهو ما اعتبره كثيرون مغازلة لحزب العدالة و التنمية بأن فقدت المعارضة لأصوات كانت تُعول عليها، بالإضافة إلى طلب أوجلان من قيادات قسد و ب ك ك فتح قنوات حوار مع أنقرة لحل المسائل العالقة بينهما، هذه الرسائل لم تجدِ نفعاً مع الناخب التركي ولا مع قيادات الانفصاليين، وخسر العدالة ولايات مهمة وفشلت المفاوضات المتكررة بين الجانبين عبر الوسيط الأمريكي أكثر من مرة.
كما أن مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا أخذت تتحول لقضية قومية تمسُّ الشارع التركي بمناحي حياته كافة، وهو ما شكل ضغطاً على أردوغان وحزبه بل وهزيمة لمفهوم (الأنصار والمهاجرين) الذي تبناه أردوغان وحزبه له دلالاته المستقبلية في التجاذبات السياسية التركية الداخلية.
لذلك بات تحقيق نصر قومي من خلال عملية عسكرية أو سياسية تُزيل خطر الأحزاب الانفصالية ضرورة تركية كبعد إستراتيجي وذات أهمية خاصة للحزب الحاكم، كما أن هذه المنطقة ستوفر ملاذًا آمنًا للكثير من اللاجئين السوريين داخل تركيا، ومن الممكن أن يعود البعض من دول اللجوء الأوربي فيما لو تحققت فكرتها وأسهمت دول التحالف في تنميتها وحمايتها بمشاريع البنى التحتية والسكن والصحة والتعليم التي ألمح أردوغان إلى إمكانية أن تتولى الإنشاءات التركية مهمة البناء والتشييد فيها.
وبالإضافة إلى الأسباب الداخلية، تدفع بأنقرة أسباب خارجية لإنهاء ملف شرق الفرات ومنبج، فتوقيع الانفصالين لمذكرة تفاهم رغم تصنيفهم كحزب إرهابي يسبغ المنظمة بطابع الشرعية في المجتمع الدولي مع مرور الوقت لاسيما وأن قسد لها حراك سياسي في عدد من العواصم الأوربية وتتلقى دعماً ممتازاً بالأسلحة، وقطع الطريق على هذا المنحى له من الأهمية الكثير في محاربة فكرة الانفصال وبناء الكيان العرقي الذي تنشده هذه الأحزاب.
ومن جانب آخر يُعتبر الشروع بالحل الدبلوماسي أو العسكري خطوة متقدمة في احتواء مخططات المحور الإسرائيلي السعودي ضد تركيا، بالإضافة إلى إفراغ ابتزازات موسكو والأسد من مضمونها السياسي في استخدامها للورقة الانفصالية مع تركيا.
الأيام القادمة ستكشف طريقة الحل الذي ستسلكه أنقرة، لكن ما بدأ فعلاً هو مُضي أنقرة نحو شرق الفرات ومنبج فعلياً وبيديها كلا الخيارين مع وقت بدأ ينفد أمام قسد.