براءة الحمدو
على وقع استلام تركيا لمنظومة الدفاع الجوي S400 الروسية، قررت الولايات المتحدة الأمريكية، وبحسب ما نقلته صحيفة واشنطن بوست، استبعاد تركيا عن صفقة مقاتلات F35، وسيتم إرسال الطيارين الأتراك ومعداتهم التدريبية أواخر الشهر الجاري، حيث أكدت الولايات المتحدة وحلف الناتو أنّ صفقة تركيا لشراء منظومة S400 الروسية لا تتوافق مع النظام الأمني للحلف في المنطقة، بل إنّ منظومة الشراء تزيد من تخوفات “حلف الناتو” من إمكانية تسرب معلومات أمنية سرية إلى القوات الروسية حول عمليات الحلف السرية.
يرجع انضمام تركيا إلى حلف الناتو إلى عام 1952، وذلك لمواجهة خطر الاتحاد السوفيتي أيام عزوته وقوته، واليوم اختار الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الشراكة مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وتلك الشراكة ستكلف تركيا الكثير (كما صدر عن مكتب العلاقات الخارجية الأمريكية بتاريخ 24 يوليو) عبر إنهاء عضويتها في حلف الشمال الأطلسي، ورفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها.. ممَّا سيؤثر على الأمن الاقتصادي التركي.
في حين اعتبرت “واشنطن بوست” أنّ إخراج تركيا من صفقة الطائرات F35 سيجعلها تبحث عن بديل آخر للتسليح، وهذا ما فعلته روسيا في عرضها المقدم لتركيا، وهو تزويدها بمقاتلات سوخوي 57 الخفية، الأمر الذي قرّب الجانبين (التركي والروسي) أكثر فأكثر.
من جهته أفاد الخبير العسكري والإستراتيجي في مركز برق للدراسات الأستاذ “محمود إبراهيم” لصحيفة حبر: “أنّ تركيا لن تخرج من (حلف الناتو) لكن ستجمد لحين تحلل الحلف كاملاً”. على ضوء التصريحات يجدر بنا أن نسأل بعد أن أصبحت أنقرة حليفةً لموسكو، وبدا تقاطع المصالح كبيراً، هل ستشارك تركيا مع “الناتو” في حال اندلاع أزمة مع روسيا في شرق أوكرانيا أو البلطيق؟ كذلك في حال حصلت حرب ضدّ إيران هل سيكون لتركيا دور مع “حلف الناتو” في محاربته لإيران؟ خصوصاً أن إيران تربطها شراكة مع الروس والأتراك في سورية، وفيما يخص عمليات التحالف ضدّ “تنظيم داعش” هل ستستبعد أنقرة من العمليات؟ وعن قوات المهمة الأمريكية المنتشرة في ثلاث قواعد تركية وهي (إنجرليك وقونية ومَلَطية) ما مصيرها عندما تنتشر قوات المهمة الروسية لأجل تشغيل بطاريات S400 من قبل مدربين روس؟ ومن المتوقع أن يتم التدريب عليها بالقرب من أنقرة وفي شرق الأناضول.
إذًا على ما يبدو أنّ ثقة “الناتو” بالقيادية العسكرية التركية قد تلاشت، وكذلك الأتراك أنفسهم فقدوا أي بارقة أمل تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية، والسبب المشترك هو انقلاب تموز/ يوليو 2016، فالولايات المتحدة وراء التخطيط لذلك الانقلاب، والناتو يقول بحسب ما نقله المحلل “مارك بيريني” إنّ تركيا اتبعت سياسة التطهير السياسي بحقّ الضباط الانقلابيين.
أخيراً هل ستحمل الأيام القادمة لروسيا كل ما تتمناه في رجوعها كقوة عظمى في عودة الاتحاد السوفيتي في حال بقيت سياسة “بوتين” ثابتة في المنطقة من خلال تمركز قواعدها العسكرية والبحرية في سورية، عدا عن تحالفاتها مع الدول السوفيتية سابقاً والصين وتركيا عسكرياً واقتصادياً، حيث يقول السفير الصيني لدى الولايات المتحدة “تسوي تيان كاي” إنّه من الأفضل للصين أن تعمل مع روسيا من أجل إنشاء عالم متعدد الأقطاب بدلاً من أن تكون موسكو (لوحدها) في صراع ضدّ واشنطن.
في المقابل (الملف السوري) حققت فصائل الثورة العسكرية تقدماً على قوات الأسد وميليشياته الإيرانية برّاً في بعض النقاط، لكن سلاح الجو الروسي هو المتفوّق، وما نراه من غارات متوالية على منطقة إدلب وريفها، وأعتقد أنّ الهدف منها ليس الانتصار لأجل الأسد باستعادة إدلب وإعطائها إياه ولا حتى الضغط على الأتراك، بل هي مناورات جوية لتجريب الأسلحة الروسية الحديثة منها والقديمة، والمحصلة جرائم جديدة في كل يوم.