صهيب إنطكلي |
كنتُ أشعرُ بحرارةٍ شديدةٍ في جسدي؛ زادها لهيبًا حرّ الصيف؛ وضعني قدَري داخل مستشفى عام من مستشفيات المحرر؛ فقرّرت أن أتعاين؛ نظرتُ يمينًا في الغرفةِ فرأيتُ رجلًا مستلقيًا بين النّائم والصاحي؛ دخلت إلى الغرفة المقابلة؛ يبدو أنّها غرفة استقبالِ المرضى؛ قلت للممرض: “أريد أن أتعاين عند طبيب الداخلية؛ على عجل؛ أمسك الممرضُ ورقة وكتب عليها اسمي وسألني ممَّ أعاني؟ قلت: حرارة مرتفعة لا تفارقني منذ أيام؛ ووهن عام.”
سحبني الممرض من يدي يجرني؛ ودخل بي إلى الغرفة التي ينام فيها الرجل؛ أدركت وقتها أن الرجل النائم طبيبُ الداخلية المناوب؛ أيقظه على استعجال؛ وقال: (دكتور عنّا مريض). فتح الطبيب عينَيه نِصف فتحةٍ؛ نظر إليّ ولم يكدْ يراني؛ سألني: (شو حاسس؟)
قلت: “والله يا دكتور أشعر بحرارة شديدة؛ ووهن وتعب عام. ولم أكد أُنهي كلامي؛ حتى أخذ الطبيب النائم الورقةَ من الممرض وكتب عليها؛ وقال لي: (“معك قولون عصبي”.
سلمني وصفة الدواء وعاد للإغفاء؛ أُصِبتُ بخيبة أمل شديدة، تمنيت لو أنه جسّ نبضي كعادة كل الأطباء، أو قاسَ درجة حرارتي، أو حتى ملأ عينَه منّي؛ لكنه لم يفعل أيّ شيء! خرجتُ من المستشفى ومزقتُ الورقة، وقلت لزوجتي: “سأذهب إلى طبيب خاص؛ لأن الطبيب السابق كان نائمًا ولم يُشخص مرضي.”
وفي اليومِ التالي ذهبتُ إلى عيادة مشهورةٍ في علاجِ الأمراض الداخلية؛ كانت مكتظةً بالمرضى؛ يبدو أن الطبيب مشهورٌ وحاذقٌ في الطّبّ؛ لم أشعر بوقتِ الانتظار فالقاعة باردة وهواء المكيف يُشعركَ بالراحة، الممرض يبتسمُ في وجهك حتّى تظنّ أنّه سيُعانقُك، كتبَ اسمي وأخبرني عن الوقت المتوقع للانتظار، وشعرت براحةٍ نفسية وهدوء، كأني شُفيتُ بإذنِ الله قبل أن أتعاين، أين الخاصّ من العام؟! شتان بين الاهتمام منذ الدخول فضلاً عن المعاينة التي صرت أنتظرها بعد كل تلك الراحة التي وجدتها، وصرت أقارن بين عيادةِ الطبيب النائم في المستشفى العام؛ وبين ما أنا فيه هنا في العيادةِ الخاصّة من حفاوةٍ وتكريم.
وصل دوري فطرقت الباب ودخلت، قامَ الطبيب واستقبلني بابتسامة عريضة، كانت العيادةُ فخمة وشهاداتُ الطبيبِ تزينُ الحائط وتوحي بأنه قد تعلّم الكثير واجتهد، أردتُ أن أخبره بما أشعرُ بِه؛ فقال: “تفضل إلى السرير.” وبلطفٍ بالغ أخذَ يعايُن جسدي وهو يسألني ويستمعُ إلى معاناتي بهدوء وتركيز؛ قاسَ درجة حرارتي وضغط دمي وخطط قلبي ثم أجرى لي بعضَ تحاليل الدّم؛ وأخيرًا وصف لي الدواء، بعد أن عاينني بكل دقة وخبرة ولطف.
المفاجأةُ أني لم أكن قط أعاني من القولون العصبي؛ لقد كنت مصابًا بالحمى فقط؛ ولولا لطف الله بي لما تحمّلَ جسدي كل هذا الوقت من الحمى التي أصابتني بالوهن.
خرجت من عند الطبيب وحمدتُ ربي أن آذنَ بشفائي، وحمدتُه ثانيةً لأن الطبيب لم يتذكرني؛ لأنه ببساطة هو نفسه الذي كان نائمًا حينها في المشفى، نعم هو ذاته الذي شخَّص مرضي حينها وقال لي إنني مصاب بالقولون العصبي!! نعم هو ذاته ذو الوجهين؛ ويبدو أنّ أحدهما فقط هو الحقيقيٌّ، فما رأيكم بما حدث؟ وهل يقتصر الأمر فقط على الأطباء أم يتعدى مهنة الطب إلى التدريس وغيرها…