لا تستقيم اللغة في هذه الجملة، فالترحيل والرحيل لا يكون طوعاً، إنما يكون قهراً وإجباراً وتعنيفاً، شَرذمة العائلات وقهر الناس وإهانتهم وظلمهم رغم أنهم يحملون أوراقًا وإقامات نظامية بغية إرضاء سياسة غير ظاهرة الملامح، والضحية هم الضعفاء المغلوبون على أمرهم الفارين من الموت، المرحلون نحوه مرةً أخرى طوعاً وكراهية.
مؤسف أن تختتم تركيا إحسانها الذي تغنَّى به أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أرضها بهذه الطريقة، مؤسف جداً أن تُطلق يد بعض العنصريين ليعيثوا فساداً في إنسانية الدولة التي أعلنت أن أبوابها ستبقى مفتوحة للمظلومين، فإذا بها تفتح عليهم أبواب الجحيم.
تلاحقهم بقوانين لم تُعلمهم بها إلا فجأة، أو تغاضت عنها لأنها تعلم استحالة تطبيقها بالنسبة إلى المهجرين الذين لا يملكون القدرة على ذلك، عملاً بروح العدالة لا بنصها، ولكن فجأة يظهر النص كجلاد يسلب لقمة الخبز وحتى شظف المعيشة.
هائمون بلا عمل، يُراد منهم دفع إيجار منازلهم، وتكلّف معيشتهم لوحدهم، وإن عملوا دون إذن من الصعب استخراجه وتحمل نفقاته سيزج بالعامل في السجن وسيرحل إلى حيث الموت الذي هرب منه مع أطفاله وزوجته وأهله ليلاقوا جميعاً مصيرهم تحت سطوة البراميل المتساقطة من السماء، أو بالنار التي تتفجر في الأرض ينابيع موت.
عليك أن تبق عالةً تسأل الناس في مدينة الأنصار، فالسوق لا يتسع لسواهم، أو ارحل من حيث أتيت لتموت بكرامة، أو ابقَ على طاولة القدر فلعلك تنجو، ولا يُسقط الرهان جميع أوراقك.
أشعر بالأسف والحزن وأنا أكتب هذه الكلمات، أشعر بالألم وأنا أضرب على اليد التي امتدت لتنجدني يوماً وما زلت متمسكاً بها أنا والكثيرين غيري، لكن يداً أخرى في ذات الجسد تُحاول أن تخنق من تستطيع منّا.
أتألم حين أكتب عن تركيا هكذا، ولكنها تؤلمني أيضاً حين ترى كل الدموع التي أسكبها اليوم وتتعامل معي ببرود (سيستمها) المعتاد الذي لا يكف عن التعطل.
مؤلمٌ ومحزن أن تختتم تركيا إحسانها بهذه الطريقة، وإن كان ذلك على عدد قليل من السوريين مقارنة بملايين الباقين السعداء، ولكنه يبقى ظلماً، والظلم ظلمات في الدنيا والآخرة.
حمى الله هذه البلاد وأعاد لها رشدها وإنسانيتها التي عهدناها، لتعود كنفاً للمظلومين والمقهورين أينما كانوا.
المدير العام | أحمد وديع العبسي