براءة الحمدو |
حول مساري استانة وجنيف ودور الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية حاورت صحيفة حبر الإعلامي السوري والمحلل السياسي أحمد كامل المستشار الإعلامي السابق في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.
1_ في البداية لو تحدثنا استاذ أحمد عن المفاوضات بشكل عام، برأيك لماذا استبدل مسار جنيف بمسار أستانة؟
بجهد وضغط من روسيا وإيران، تم إفراغ مسيرة جنيف من مضمونها، تم إغراق وفد المعارضة بوفود من المعارضة المزورة، منصات موسكو، والقاهرة، و(حميميم وأستانة رقم 1 ممثلة بشخصيات مثل: رندة قسيس وعبد الجليل السعيد)، والمجتمع المدني، وشخصيات انتقاها المبعوث الدولي السابق “ستافان ديمستورا”، ومن ثم تمّ اختراق وفد المعارضة بإدخال جهات “مستسلمة للنظام” إليه. أولاً أدخلت هيئة التنسيق (معارضة الداخل المتصالحة مع النظام)، ثم أدخلت منصات موسكو والقاهرة، هذا من حيث تشكيل وفد المعارضة. أمّا من حيث مضمون المفاوضات فقد تم التلاعب به، وتم التراجع من هدف إقامة هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، إلى الانتقال السياسي، إلى التفاوض على دستور جديد وإجراء انتخابات في ظل وجود نظام الأسد ورأس النظام وأجهزته الأمنية. ورغم إفراغ عملية جنيف من مضمونها، والتلاعب في تمثيل الشعب السوري، فإنّ المحتلين الروس والإيرانيين لم يكتفوا بذلك.. وإنّما خلقوا مساراً موازياً لمسار جنيف، هو مسار أستانة، التي صار اِسمها “نور سلطان” لممارسة ضغط على مسار جنيف والمشاركين فيه، ولإنجاز مشروع عسكري بعيداً عن أي حضور أممي أو دولي.
2_ هل نفهم أنّ مسار جنيف انتهى ولا أمل في العودة إليه؟
لا لم ينته، هو فارغ من مضمونه ومجمد، ولكن يمكن في أي لحظة إخراجه من الثلاجة، وبث الحياة فيه، رغم التشوهات الكثيرة والأساسية التي طرأت عليه. وهذا يمكن أن يحصل، لا بل سيحصل، وذلك عندما تحين لحظة نهاية الصراع، أو عندما تصبح صورة الوضع على الأرض شبيه بالتصور الذي يرضي كل الأطراف، ليصبح هو الوضع النهائي. ونحن بعيدون عن ذلك. ولذلك لن يعود جنيف إلى الحياة بصورة فعّالة.. على المدى القريب.
3_ ما هو دور “الائتلاف الوطني السوري المعارض” في مسار أستانة وجولاته الثالثة عشر؟
نصف أعضاء وفد أستانة هم من أعضاء الائتلاف أو قريبون منه. ولكن في الحقيقة فإن هؤلاء ذهبوا لأستانة ومعهم توجيهات من دول إقليمية ودوليّة، وليس من الائتلاف نفسه. كما ذهبوا ومعهم توجيهات من السعودية والإمارات وأمريكا والأردن.. وتركيا خاصة، وليس من أي جهة تمثل الشعب السوري أصالة وتدافع عن مصالحه بصورة حصرية.
4- لماذا لم تشارك هيئة التفاوض العليا في اجتماعات أستانة؟
مقاطعة هيئة التفاوض، أو هيئة الرياض 2، ” لأستانة 13 ” هي للمزاودة على مجموعة أستانة، وقالوا إنهم يقاطعون اللقاءات مع الروس، بسبب قصفهم الوحشي لإدلب. وهذا نفاق، هذا موقف استعراضي يدّعي البطولة في غير محلها، بطولة مجانية. لأنّ الروس موجودون في قلب الهيئة أصلاً. هناك مجموعة في الهيئة اسمها منصة موسكو، وهناك شخصيات في الهيئة عَمِيلَة علناً وصراحةً للمحتل الروسي. لو كانت “هيئة التفاوض العليا” صادقة في ممارسة الضغط على الروس أو اتخاذ موقف وطني تجاههم لكانت طردت أعضاء منصة موسكو منها، أو علقت عضويتهم على الأقل، ولن تفعل، لأنها مؤسسة معينة من الخارج، واستقلالها معدوم، وإرادتها معدومة.
5_ إلى ماذا يهدف مسار أستانة وهل اتفاق سوتشي ضَمِن حقوق الشعب السوري؟
يهدف مسار أستانة شكلياً لتحقيق هدنة، أو وقف إطلاق نار، أو تبريد الصراع في سورية، أو الاسم الذي تم اختراعه في أستانة.. ولا أساس له لا في القانون الدولي ولا في العلاقات الدولية.. ولا حتى في الأعراف العسكرية، وهو خفض التصعيد. هذا هو الهدف المعلن، لكن في الحقيقة أدى مسار أستانة إلى شل العمل العسكري المعارض، واجتثاث بؤر المقاومة للنظام وروسيا الواحدة تلو الأخرى، وإعطاء الشرعية للاحتلال الروسي لسورية، وطبعاً أدى أستانة مهمة وهدف آخر هو الضغط على مسار جنيف، وسحب اختصاصات أساسية منه بدأت بملفات وقف إطلاق النار، والمناطق المحاصرة، والمعتقلين، وانتهت بالدستور. أمّا اتفاق سوتشي فهو أبعد ما يكون عن تحقيق حقوق الشعب السوري، بأي شكل، وبأي قدر كان.
6_ لماذا لم يتم الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية في اجتماع الثالث عشر للدول الضامنة يوم الجمعة الفائت.. في “نور سلطان”؟
التصريحات التركية الروسية تؤكد حل الخلاف على تسمية أعضاء اللجنة الدستورية، وكان متوقعاً الإعلان رسمياً عن تشكيلها والبدء في وضع دستور جديد، ولكن لم يتم هذا، لأسباب لا نعرفها. لأننا كسوريين آخر من يعلم فيما يتفق عليه حول مصيرهم. ولكن بالتأكيد لا أحد من الدول مستعجل (متحمس) على اللجنة الدستورية، للسبب الذي ذكرناه آنفاً: لم يصل الوضع في سورية للصورة النهائية، لم ينته الصراع، والقضايا المعلقة أكثر بكثير من القضايا المحسومة.
7_ وهل نستطيع القول.. بأنّ طموحات السوريين قد اختزلت في “دستور جديد” بوجود رأس النظام السوري؟
مناقشة الدستور خيانة للثورة وللشعب السوري وللشهداء للأسباب التالية:
_ هي تنازل وتراجع عن هدف الثورة الذي ضحى الشعب لأجله تضحيات هائلة: إسقاط النظام. لم يقتل مئات الألوف ولم يشرد ويعتقل الملايين من السوريين.. من أجل تعديل الدستور أو تغييره، وإنما لأجل التحرر من نظام إبادي طائفي أقلوي دموي، وهذا لا يتحقق بتعديل أو تغيير الدستور. فمناقشة الدستور فيها تقزيم وتسفيه للقضية السورية، والمشكلة السورية أكبر وأعمق بكثير لأنها بحاجة لعقد اجتماعي جديد وليس لتعديل أو تغيير دستور.
_ هي تنازل وتراجع حتى عن أهداف بيان جنيف المحدودة والمجحفة بحق الشعب السوري (تسعى لإقامة هيئة حكم انتقالي من النظام والمعارضة ذات صلاحيات تنفيذية) وتراجع عن قرارات الأمم المتحدة (تسعى لإنجاز انتقال سياسي تفاوضي وبرضى كل الأطراف). في الحقيقة إنّ تغيير الدستور لا يؤدي لا لتشكيل حكومة مناصفة من النظام والمعارضة، ولا يؤدي إلى انتقال سياسي (تغيير شامل للنظام). تغيير الدستور هو آخر عمل من أعمال الانتقال السياسي التي تبدأ بإطلاق المعتقلين، وفك الحصار، وتفكيك الأجهزة الأمنية، وإطلاق الحريات العامة، والحريات السياسية، وحريات الإعلام، وإعادة المهجرين وتشكيل حكومة مدنية وطنية. الدساتير لا تكتب في مرحلة الثورة، بالعكس تجمد (الدساتير) أو تعلق في الثورات، وتكتب بعد أن يحل السلام والاستقرار والعدل.
_ هي قبول ببقاء النظام ومسامحته عن كل ما ارتكب من جرائم وإعطائه الحقّ في المشاركة في تحديد مصير سورية، لا بل تقرير مصير سورية لوحده (النظام السوري) لأن الطرف الآخر المشارك في مناقشة التغيير الدستوري ضعيف للغاية ولا شرعية له ولا سند جماهيري حتى. المشاركة في اللجنة الدستورية خيانة، تعطي النظام شرعية مجانية. “إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق”
_ المشكلة في سورية لا تتعلق في نصوص الدستور، فلو نفذ ربع الدستور الحالي (دستور النظام لعام 2012) لكانت سورية أفضل مئة مرة مما هي عليه الآن. المشكلة ليست في نصوص الدستور وإنما بوجود سلطة منفلتة وغير خاضعة لأي قوانين أو دساتير. تعديل الدستور هو تعديل لورقة لا قيمة لها مطلقاً ولا يغير من واقع السوريين بأي قدر كان، لا يؤدي لإسقاط النظام، ولا لتغيير النظام، ولا التقليل من وحشيته، ولا لتحقيق السلام في سورية، ولا لتحسين الوضع في سورية بأي قدر كان. على العكس يؤدي لفرعنة النظام وتوحشه طالما أنه نال العفو عن كل الفظائع التي ارتكبها. من يناقشون الدستور حالياً، لا يملكون هذا الحق، وليست لديهم الكفاءة ولا القدرة على ذلك. الدساتير تضعها جمعيات تأسيسية تمثل كل الشعب، منتخبة في انتخابات عامة وحرة ونزيهة، خصيصاً لهذا الهدف. فالمشاركون في تعديل الدستور الآن هم ممثلو النظام الإبادي الأسدي من جهة، ومن جهة أخرى أشخاص لا يمثلون الشعب السوري، هم أشخاص اختارتهم دول وأنظمة بعضها معادي للثورة السورية والشعب السوري، وبعضها محتل لسورية ومتواطئ مع نظام الإبادة فيها.
8_ يردد البعض من المحللين والكُتّاب السوريين.. السؤال التالي: لماذا لا تعلن جماعة الإخوان المسلمين (الائتلاف السوري) رسمياً تبنيها لكل ما يجري في أستانة وأنهم شركاء في المؤامرة على ثورة الشعب السوري؟
الائتلاف ليس جماعة الأخوان المسلمين، وجماعة الأخوان المسلمين ليست الائتلاف. هذا الانطباع خاطئ وشائع.. وما هو إلّا دعاية مشغولة. مجموع أعضاء الائتلاف من جماعة الأخوان المسلمين، الأعضاء الرسميين، والأعضاء المخفيين، والأعضاء المتحالفين مع أعضاء الجماعة، والأعضاء المشتبه بأنهم أعضاء في الجماعة.. كل هؤلاء لا يزيد عددهم عن 10 أعضاء من أصل 120 عضو في الائتلاف. لكن الأضواء كلها مسلّطة على الجماعة لأسباب دعائية سلبية، لا علاقة لها بحقيقة توازن القوى داخل الائتلاف. أمّا تبني الائتلاف وجماعة الأخوان الصريح لأستانة، فهم لا يؤكدون علاقتهم بأستانة، وطبعاً لا يعترفون أنها مؤامرة على الشعب السوري، وإنما يعتقدون أن الحاضرين في أستانة يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويحققون مصالح الشعب السوري الممكنة وفي أضعف الإيمان. على مبدأ ليس بالإمكان أفضل مما كان. وهذا كله غير مبرر، وهو يعبر عن عقلية سياسية تقليدية محافظة، ولا تمت لروح الثورة بصلة.
9_ هل الائتلاف السوري هو أداة لتنفيذ سياسات تركيا في المنطقة؟
نشأ الائتلاف بأمر من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، رداً على مواقف المجلس الوطني السوري الصلبة (نسبياً) في التمسك بحقوق الشعب السوري. ثم تم توسيع الائتلاف مرة بعد مرة، حتى صار مائعاً. ثم سحبت صلاحياته منه بتشكيل هيئة مفاوضات قوى الثورة والمعارضة في الرياض (جمعت شخصيات وطنية مثل: رياض حجاب، جورج صبرة وأسعد الزعبي)، وهو الآن تجمع لشخصيات عاطلة عن العمل السياسي والوطني، وتعرض نفسها لمن يحتاج، وتتصارع فيما بينها على فرص العمل القليلة المتاحة أمام أعضائها. تتصارع على مقعد في الرياض، أو جنيف، أو أستانة، أو أي مؤتمر. وعندما تحتاج الدول لشخصيات سورية معارضة لتحقيق هدف تريده، تأخذ من الائتلاف من يناسبها. وهذا ما حصل في أستانة، حيث اختار الأتراك شخصيات لينة (شديدة الليونة) لاستخدامها في المفاوضات. كما وتستدعي شخصيات من نوع آخر عند مناقشة مشاكل السوريين في تركيا. وقد تستدعي شخصيات قوية عند الحاجة لها. إذن الائتلاف اليوم قابل للاستخدام من الآخرين، ومنهم تركيا (حسب الحاجة). أي حسب حاجة الآخرين وليس لحاجات الشعب السوري.
10_ يعتقد البعض أن المعارضة السورية ستسلم إدلب إلى روسيا؟ ما صحة ذلك؟
هناك موقف تركي قوي ضدّ تسليم إدلب، وهذا الموقف ينعكس على التسليح، وينعكس على تأمين المقاتلين، وطبعاً سينعكس على موقف المعارضة. تركيا لا تريد تسليم إدلب، والمقاتلون في إدلب لا يريدون تسليمها، ولذلك لن تسلم، ولو تعرضت حدودها للقضم.
11_ ما هو مصير السوريين في المرحلة القادمة وخصوصاً بعد تجميد فكرة “المنطقة الآمنة” والتضييق عليهم في تركيا، وتحديداً إسطنبول؟
المنطقة الآمنة سترى النور خلال أسابيع، لا نعرف بالضبط مساحتها، ولا شروطها، ولكنها سترى النور قريباً. ومعركة إدلب لم تنته، وقد لا تنتهي ولا بأشهر أو سنوات. وضع سورية كله غير مستقر، وغير نهائي، والعالم يحكمه مجموعة من المجانين والمجرمين، ولا يمكن التنبؤ بأفعالهم ولا ليوم مقبل. وعن المعارضين السوريين فوضعهم صعب في مقابل وضع النظام الصعب أيضاً. المعارضة يزداد اعتمادها وتأثرها بالدول، ومنظومة النظام (سيادته واستقلاله) صارت صفرية.
السوريون مكتوب عليهم مواجهة وحوش الأرض، لكن عندهم أمل كبير بأن تفترس هذه الوحوش بعضها، وهناك امتحان قريب يتعلق بوجود إيران في سورية. وعن وضع السوريين في تركيا فمهما أساء الأتراك يظلون أفضل من غيرهم (لبنان، الأردن والعراق)، ووضعهم في تركيا أفضل من وجودهم في مناطق النظام والاحتلالات.
يجب على السوريين فرز قيادة تتحدث باسمهم، وتدافع عن مصالحهم وحقوقهم في تركيا. وهذا ما نعمل عليه بصورة عاجلة وملحة الآن.