عبد العزيز العباس |
هذه الرواية ليست رواية فرانكشتاين للكاتبة الإنجليزيّة ماري شيلي، بل رواية للكاتب العراقي (أحمد السعداوي) صاحب مجموعات شعرية صدرت له سابقًا، لكنّه في الفترة الأخيرة مال إلى كتابة الرواية وقد صدرت له عدة روايات، وتعد رواية فرانكشتاين في بغداد أشهرها.
الفكرة التي تعالجها الرواية غريبة جداً، رواية فانتازية تتحدث عن فترة مهمة في تاريخ العراق وهي فترة التفجيرات في العراق بين عامي 2005 وعام 2008 وهي تناقش أيضًا الفترة التي عاشها العراق في ظل داعش.
في إحدى أحياء بغداد كانت تعيش (إليشوا أم دانيال) تلك العجوز التي فقدت ابنها دانيال في ظروف غامضة قبل عشرين عاماً وظلت تحاول إقناع نفسها أنّ دانيال ولدها سوف يعود يوماً ما لأنّه لم يمت أو لمّا يمت على الأقل في أحلامها.
تحلم به تتذكره تتذكر صوته وتحدث الناس عنه في كل مكان وزمان حتى أصبح الناس من حولها يعتقدون أنّها عجوز مخرفة، وأنّ دانيال قد مات ولن يعود أبداً.
(هادي العتاك) شخص يجمع الخردة والبلاستيك والقمامة من الشوارع والمزابل في بغداد، وهو أول من رأى الجثة الماشية أو الجثة التي تمشي أو النسخة الجديدة من دانيال كيف ذلك جثة وتمشي؟! لكن في الفانتازيا ممكن أن يحدث أيّ شيء حتى الجثث ممكن أن تمشي.
تشكّلت هذه الجثة من بقايا أشلاء الضحايا في التفجيرات التي وقعت في شوارع بغداد، كان هادي العتاك أول شخصٍ رأى هذه الجثة لكنّ أحداً لم يصدقه لأنّه شخص كذّاب.
وجدت الأم إليشوا تلك الجثة في بيتها ففرحت فرحاً شديدًا ولم تسأل نفسها ما هذه الجثة ومن أين أتت، بل على العكس تمامًا راحت تخبر الناس أنّ ابنها دانيال قد عاد من جديد.
تتشابه أحداث الرواية أحيانًا مع ما حدث في بعض المدن السورية التي تعرضت للقصف، حيث وكان الناس يدفنون موتاهم في الحدائق العامة، أمّا باقي أشلاء الضحايا فيمكن أن تدفن في أيِّ مكان ما يدل على قساوة الحرب وقذارتها وحقارتها.
حصلت الرواية على جائزة البوكر العالمية في نسختها الإنكليزية بعد ترجمتها رواية سوريالية تتحدث عن أناس ينقذفون في الهواء وأشلاء تتطاير ولحوم محترقة مشويّة، ثم يأتي هادي العتاك جامع الخردة والبائع الجوال ذات يوم ويبدأ في جلب أجزاء هذه الضحايا إلى منزله محاولاً صنع جثةً كاملة، وهذا ما نجح به في آخر المطاف، ومن ثم يعود في أحد الأيام ليكتشف أنّ هذا المخلوق الجديد قد هرب إلى غير مكان.
يطلق الكاتب على هذا المخلوق اسم (الشسمه) وهي كلمة تعني الذي ليس له اسم أو الشيء الذي نخاف أن نذكر اسمه وهي كلمة عامية مستخدمة بكثرة عند نسيان اسم الشيء أو الخجل من ذكره أو التعوذ من ذكره مثل بعض الأمراض. يبدأ المخلوق الجديد في قتل الأشخاص الذين كانوا وراء التفجيرات وقتل المدنيين؛ لأنّه مخلوق بالنهاية عراقي وهو خلاصة أشلاء ضحايا مظلومين ماتوا بلا سبب كأنّه بدأ يجوع فصار يأكل من أجساد الظالمين، يعني هو يحاول تنفيذ الحكم على هؤلاء الظلمة والقتلة.
الجميل في الرواية تصويرها الحياة اليومية للناس في مدينة بغداد بكافة طوائفهم الموظفين الفقراء البائعين الجوالين أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي وكتاب الصحافة والإعلام أصحاب الدور الأكبر في نقل الأخبار والمعلومات والتقارير ولهم الفضل في كتابة هذه الرواية.
قيمة الرواية قيمة توثيقية فالتاريخ يكتبه الإعلام في العصر الحديث والكتاب الروائيين، ولذا سوف يكون لهذه الرواية قيمة أكبر في السنوات القادمة.
فكرة تجميع مخلوق من أشلاء ضحايا التفجيرات فكرة ليست منطقية ولا تتناسب مع المجتمع المسلم، لكنّها خدمت الكاتب كثيراً في تنفيذ أفكاره بدون الخوف من عيون الرقابة بكافة أشكالها.